التماسك الأسري


سعيد المحرزي | سلطنة عمان


كاتب تربوي - مشرف أول كيمياء بديوان عام وزارة التربية والتعليم
التماسك الأسري هو حالة من الارتباط التي تتسم بها العلاقات الزوجية والأسرية والتي تشمل جميع جوانبها وهو ذو أهميته الكبيرة في بناء المجتمعات والحضارات الإنسانية وتشكيل السلوك الإنساني، ومن مظاهر التماسك الاسري المودة والسكينة والتوافق والتكافل والتآلف والإحسان.

وعند التأمل في المجتمع العماني نجده مجتمع يتسم بالتماسك سواء على مستوى الأسرة أو المجتمع أو الدولة، وهذا التماسك دليل على القيم الرائعة التي تسود الأسرة والمجتمع على حد سواء، غير أن هذا التماسك بدأ يقل تدريجيا في السنوات الأخيرة مما ينذر بخطر قادم على مجتمعاتنا المحافظة.
يخبرني أحد الأخوة الذين يقومون بكتابة عقود الزواج في إحدى ولايات البلد عن كثرة حالات الطلاق لديهم، وهذا دفعني إلى البحث عن نسب الطلاق في المجتمع العماني فوجدتها فعلا نسب مخيفة حيث أنها تزايدت كثيرا في السنوات الأخيرة، و وفق الإحصائيات الرسمية الصادرة عن وزارة العدل بلغ عدد حالات الطلاق في عام 2016م  3736 حالة طلاق أي بمعدل 10 حالات طلاق يوميا في السنة الواحدة، وبلغت حالات الطلاق في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2018م 1343 حالة طلاق، وعند النظر إلى هذه الأرقام نجدها مخيفة فعلا، فهي مرتفعة جدا وكذلك تتزايد سنويا، مع العلم أنه في المقابل انخفضت معدلات الزواج في السنوات الأخيرة وفق الإحصائيات الرسمية للمركز الوطني للإحصاء والمعلومات.
إن المتأمل في هذه الاحصائيات يجدها ذات دلالة على وجود مشاكل حقيقة تواجه الأسرة العمانية، نتيجة كثرة التحديات التي تواجهها وخاصة في ظل العولمة، وكما ذكرت أيضا فإن هذا يعتبر مؤشر على ضعف تماسك الأسرة لدينا، وقد أوضح أحد المسؤولين بوزارة التنمية الاجتماعية أن 90بالمئة من حالات الطلاق سببها ضعف قدرة الزوجين على حل مشاكلهما بصورة صحيحة، وهذا يجعلنا نتسائل عن التربية التي يتلقاها شبابنا في مؤسسات التربية المختلفة وكذلك الدور الاجتماعي والثقافي والإعلامي المقدم لهم من المؤسسات المختصة.
ولن أتحدث هنا عن الدور الذي ينبغي أن تقوم به المؤسسات المختلفة في تأهيل وإعداد الشباب لمرحلة الزواج وبناء الأسرة فهي أدرى بما ينبغي أن تقوم به - والعتاب الكثير لا يجدي نفعا كما يقال -؛ ولكني سأتحدث عن بعض الممارسات الإيجابية والتي من شأنها أن تساعد الزوجين على زيادة تماسك كيانهم الأسري مما يحقق لهم الاستقرار والسكينة التي حدثنا الله تعالي عنها في سورة الروم بقوله "  وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)  .
لتحقيق التماسك الأسري عوامل عديدة لابد للزوجين مراعاتها في حياتهم الزوجية: أولها العامل الروحي وهو استشعار الزوجين للأجر والمثوبة من الله تعالى عند بناء هذه الأسرة، وكذلك عند السعي لخدمة الأسرة وتقوية روابطها فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (خيركم خيركم لأهله وانا خيركم لأهلي)، وهناك أفكار عملية مثل الاجتماع لأداء بعض الصلوات في جماعة في البيت أو قراءة في السيرة النبوية، فهذه اللقاءات تضفي نوعا من الروحانية والأنس بين أفراد العائلة تعمل على زيادة المحبة بينهم.

ثانيا: يعتبر العامل الاجتماعي من العوامل المهمة جدا في تقوية تماسك الأسرة، وهو عبارة عن مجموعة العوامل الاجتماعية الخاصة بتنظيم الاسرة وأدوارها مثل: توزيع الأدوار بين الزوجين والأبناء، مع التأكيد على التكامل بين هذه الأدوار واحترام جميع أفراد الأسرة لهذه الأدوار، كذلك حرص الزوجان على وقاية الأسرة من الآفات الاجتماعية كالخمر والمخدرات وغيرها يسهم في حفظ أفراد الأسرة وزيادة تماسكهم، كذلك من الأفكار العملية وضع برنامج للزيارات الاسرية وصلة الارحام بحيث يشترك كل - أو أغلب- أفراد الأسرة في هذه الزيارات؛ فكثرة اللقاءات العائلية تعمل على تعميق التواصل الاسري الإيجابي.

ثالثا: يعتبر الاهتمام بالمستوى التعليمي لأفراد الأسرة من الأمور التي تساعد على تقوية تماسك الاسرة ،وذلك لأنه كلما كان هناك تقارب في المستوى التعليمي فسيعمل ذلك على رقي الحوارات العائلية، كذلك يسهم الرقي التعليمي للزوجين الى معرفة كلا واحد منها بخصائص الطرف الاخر وخصائص أطفالهما مما ينعكس أثره إيجابا بتبصير الزوجين بكيفية التعامل مع شريك الحياة وبكيفية التعامل مع الأطفال وإحسان تربيتهما، وأيضا لا يخفى أثر الدراسة في القضاء على أوقات الفراغ لدى أفراد العائلة، فالفراغ يؤدي إلى حدوث الكثير من المشاكل العائلية.

  رابعا: إن تمكن الزوجين من إدارة مشاكلهما العائلية بكل إيجابية يؤدي إلى تقوية التماسك الأسري، حيث تتطلب الإدارة الإيجابية للمشاكل الاسرية الاتفاق أن يكون الحوار الإيجابي هو الأساس عند حدوث أي خلاف عائلي، وأيضا عدم الاستعجال بالحكم، بل على الزوجين بحث الأسباب المؤدية للخلاف بكل هدوء وعليهم -أيضا-تهيئة الجو العائلي المناسب لبحث هذه الخلاف، والاتفاق على قوانين عامة تحكم مثل هذه الخلافات يعمل على تقليل آثارها وتجاوزها بكل يسر وسهولة.

إن للتماسك الأسري نتائج مهمة جدا ليس فقط على مستوى الأسرة، تماسك الأسرة يؤدي إلى تماسك المجتمعات والدول، وذلك لأن الفرد الذي ينشأ في أسرة متماسك سيكون فردا يتحلى بالقيم الإيجابية ويكون عالي الإنتاجية، وبالتالي سيحافظ على تماسك المؤسسة التي سيعمل بها وسيبادر الى إيجاد حلول لأي مشاكل قد تطرأ على مجتمعه وأسرته، وسيكون حصنا حاميا لأسرته ومجتمعه ودولته عن أي خطر يداهمهم، لذلك أقول تماسك الاسرة هو تماسك للمجتمع والدولة.

 

 

 

تعليق عبر الفيس بوك