ربيعنا العربي الحقيقي

 

عبدالرزاق بن علي

رغم ما حدث ويحدث في بعض الأقطار العربية التي شهدت أحداث ما يُعرف "بالربيع العربي" فإن الأمر اختلط على  كثير من العامة فضلاً عن النخب. وبالنظر إلى حجم الخراب الذي خلفته الأحداث في ليبيا وسوريا واليمن فإن ما سمي بالربيع العربي لم يكن في الحقيقة إلا شتاء عاصفاً كشف عورات الكثيرين ممن راهنوا على توظيف  الحجج الاجتماعية لتحشيد الغوغاء والدهماء من العامة بالإعلام والمال وحبوب الهلوسة. ولم يكن ما حدث محض صدفة أو نتيجة طبيعية للكبت والقهر، كما يدعي البعض من أبناء هذه الأمة بل إن ما جرى في تونس قبل غيرها من بقية الأقطار دليل على أنَّ هذه العاصفة نشأت نشأة طبيعية ولكنها وظفت بعناية من أجل أهداف محددة.

فكرة الثلج التي انطلقت من مدينتي الصغيرة - مع إقدام محمد البوعزيزي على حرق نفسه كتعبير عن الإحساس بالغبن بعد منعه من كسب قوته بعربته الصغيرة- وقع اختراقها من أجل توجيهها الوجهة المطلوبة. فقد كان لانتشار الاحتجاجات الاجتماعية في الجهات التي تشكو من الفقر والبطالة فرصة مناسبة لإشاعة الفوضى. وكان معمر القذافي رحمه الله يُدرك حجم الخطر الداهم بحكم خبرته. و يعلم يقينًا أنَّ ليبيا هي الوجهة القادمة لكرة الثلج. ومن أجل ذلك حاول جاهدا كشف ما نفذت إليه بصيرته للتونسيين والليبيين معًا ..

ولم يكن زين العابدين بن علي زعيماً وطنيًا شعبيًا.ولم يكن التونسيون يحبونه. ولم يستطع أن يحقق طيلة فترة حكمه الطويلة الكثير .ولكن الرأي العام في تونس لأسباب كثيرة معروفة  يقر بأن الوضع الحالي في البلد أسوأ بكثير مما كان في عهده .

ولم يعرف الشعب العربي في ليبيا الفقر والخوف والمهانة في عهد القذافي، كما يشهد كل من عرف الأوضاع في ليبيا. وجميعنا نعلم ما يحدث في كل أنحاء ليبيا من فظاعات  وجرائم باسم هذا "الربيع العربي" ، كما نعلم جميعًا ما آل إليه الأمر في سوريا بعد كل ما حدث. وما أصبح عليه اليمن بعد الرئيس علي عبد الله  صالح.

ما حدث لم يكن بالتأكيد ربيعا عربيا بكل المقاييس السياسية والأمنية والاقتصادية والإستراتيجية. فما نراه ونشاهده ونجده في أوطاننا بعد كل الأحداث لم يكن هدفنا، بل كان هدف الذين ينشدون هدم مقومات هذه الأمة ووأد شأنها وأسباب عزتها وقوتها، فالربيع العربي الحقيقي الذي ننشده لا يمر من هذه البوابة التي يختلط فيها أهل الحقوق من أبناء وطننا مع أعدائه. ولا تتشابك فيها سواعد الرجال من أبنائنا الذين يبنون مع معاول الهدم التي تشيع الركام والخراب .ولا تمتزج فيها أصوات دعاة الحق من المصلحين مع فتاوى شيوخ الفتنة والذبح. ولا تلتقي فيها حشود العاملين بجد من الرجال والنساء بصفوف الفوضى والفلتان .

ما حدث إن أمعنا النظر درس بليغ يمكن الاستفادة منه في تطوير مُجتمعاتنا وتحريرها من الفقر والبطالة والخصاصة والحرمان  وتحصينها من الجهل والانقياد لدعوات هدم الأوطان وتقويض دعائمها.

فنحن نتملك الكثير من الثروات والموارد الطبيعية التي بإمكاننا توظيفها لخلق مواطن شغل لحشود العاطلين عن العمل بدل إنفاقها في تمويل الكثير من الحروب العبثية هنا وهناك. ونتملك موارد بشرية بإمكانها أن تصنع المعجزات إن أحسنَّا تعليمها وتدريبها ورفع كفاءتها المهنية. ونتملك أراضي خصبة يمكننا أن نحسن فلحها من أجل ضمان أمننا الغذائي إلى الأبد. ووهبنا الله الطاقة الشمسية التي تغنينا عن جميع الطاقات المتجددة في الكون. ويمثل موقعنا الجغرافي المميز عاملاً مهما لكل خطط التنمية المستقبلية المنشودة.

مسؤوليتنا جميعاً أن نستخلص الدروس مما حدث. فهذا العالم الذي من حولنا لا يحترم الضعفاء ولا يمنحهم القدرة على الدفاع عن حقوقهم وحماية ثرواتهم. بل يتربص بهم الدوائر وينتظر وهنا يصيبهم من أنفسهم. وعندها سنؤكل كما أكل الثور الأبيض من جديد  .

 

 

تعليق عبر الفيس بوك