ليس كل عدوّ عدوي .. صديقي

 

غسان الشهابي

في عالم السياسة، لا مكان للعواطف، فالمصالح هي اللغة التي يجري تداولها على الطاولات وتحتها، وهذا أمر يعرفه القاصي والداني، مع الألم الذي يُمكن أن تسببه هذه اللغة في حسابات الخاسرين، إلا أن هذا ما يعيه من يدخل في هذه اللعبة. وهي ذاتها اللغة التي تقول بعضٌ من أبجدياتها إنَّ في السياسة لا صديق دائم ولا عدوّ دائم، ما يعني أن مصطلحيّ الصداقة والعداوة ليسا كما نعرفهما في الحياة العامة.

لذلك، عندما غزا صدام حسين الكويت في 1990، وقف جزءٌ مهمٌّ من الجمهور العربي ضد هذا الغزو والاحتلال، لأنه يُخالف الشرعة الإنسانية، وما نشأ الناس عليه من احترام السيادة والاستقلال، وأن المشاكل العالقة تحلّ بالحوار لا بالصراع والتدخل الخشن المسلح. ولكن ما أن دخلت الولايات المُتحدة على الخط، حتى انقلب جزء من هذا الجمهور العاطفي بطبعه، ضد ما سبق وأن شجبه، ليقف ضد الولايات المُتحدة على اعتبار أنها "رأس الحية"، وسبب كل مصائب الدول كما نشأ أيضاً هذا الجمهور وتعوّد... والمقام ليس مقام عواطف.

في الأمم المتحدة خلال الأسبوع الماضي، وقف رئيس وزراء الكيان المُحتل، بنيامين نتنياهو قائلاً بالنصّ: "سيداتي سادتي، لديّ اعتراف. وقد يُفاجئكم ذلك. ولكن عليّ أن أقرّ أنَّ الاتفاق النووي الإيراني كانت له عاقبة إيجابية واحدة، وهي عاقبة غير مقصودة، ولكنها مُهمة. حيث تسبب هذا الاتفاق في جعل "إسرائيل" والعديد من الدول العربية أقرب من بعضها من أي وقت مضى، مع صداقة حميمة لم أرها في حياتي. فقبل بضع سنوات كان من المستحيل تخيّل ذلك"!

لقد قدّر نتنياهو أنَّ الخلاف بين إيران وعدد من الدول الخليجية، وعلى رأسها مملكة البحرين والإمارات العربية المتحدة، لما نعرفه من تعقيدات قد يعني أن "عدوّ عدوي.. صديقي"، وهذا الفهم يُمكن أن يصدق في العلاقات الشخصية، أو خلافات أحياء ومناطق مع بعضها البعض، ولكن لا يُمكن أن تقلب الحقّ باطلاً، أو تسبغ على الباطل لبوس الحق. فليس معنى أن هناك خلافات متفاوتة العمق بين هذه الدول الخليجية مع إيران أن تنشأ صداقة، بل وحميمة، مع الكيان الصهيوني لمجرد أنَّ الخلاف بين "إسرائيل" وإيران مستعر منذ مدة. وليس معنى محاولات البعض، وتصريحات البعض، وتلميحات البعص، لتليين المواقف وتمييعها مع المحتل الصهيوني، مرة بزيارات وفود شبه رسمية، ومرة باللقاء الرياضي، ومرة بالمنظمات الشبابية، وغيرها من المداخل والأبواب؛ ليس معنى هذا أنَّ الطرقات باتت معبّدة لاستسلام جماعي، وتسليم بالرواية الصهيونية عن أحقيتهم بأرض ما كانت لهم يوماً، ليبنوا هيكلاً فوق هياكل أصحابها.

ليس من الغريب أن يكون للفرد أكثر من عدو وأكثر من صديق، وكذلك الدول، فلا يعني تقاطع المصالح في واحدة من منحنيات الطرق أن نتصادق مع المجرمين، أو نتخذهم أولياء، لنزوّر الرواية، ونساوي بين القاتل والقتيل، ونترك الزيتون على الأرض تدهسه الأقدام الآثمة.

تعليق عبر الفيس بوك