بين المستشار والخبير والوزير

حمود بن علي الطوقي

يبدو أنّ المقال الذي نُشر في هذا العمود قبل أسبوعين وعنونته "الموت البطيء للمستشار والخبير" وأعقبته حلقة حوارية في التلفزيون العماني في برنامج "حقائق وأرقام" نال ردود أفعال متباينة جلها كانت مساندة لما طرحته ومؤيدة لتناول هذا الموضوع الذي تضرر منه الكثير ممن يحملون في مسمياتهم الوظيفية لقب "مستشار أو خبير".

وصلتني العديد من الملاحظات حول ما نُشِر في المقال، الأمر الذي جعلني أتحرك للبحث عن قُرب حول حقيقة ما يثار حول هذا المنصب الرفيع، والاستماع عن حقيقة ملابسات منصب المستشار. التحرك كان على مختلف المستويات بدأ بالجلوس مع الخبير والمستشار ووكيل الوزارة وأيضاً وصولا إلى الاستماع إلى رأي معالي الوزير.

الإحصاءات الرسمية تشير إلى أنّ عدد من يحملون منصب المستشار والخبير يصل إلى نحو 640 مستشارًا وخبيرا يعملون في مختلف المؤسسات الحكوميّة، وبعض الجهات الحكوميّة تستفيد الاستفادة القصوى من المستشار وتعتبره في أعلى السلم الوظيفية وأنه- أي المستشار والخبير- عليهم أعباء وظيفية كبيرة، وكل الخطط والبرامج والتطلعات في الوزارة تحت إشرافهم مباشرة، فالمستشار هنا طاقة بشرية منتجة أمّا الجهات الأخرى ويمكن أن نعتبرها السواد الأعظم فتعتبر منصب المستشار عالة على المؤسسة، وأعطي هذا المنصب كتكريم له قبل إحالته للتقاعد وعليه أن يتقبل الأمر ويتكيّف مع الوضع وأن يجلس في مكتبه دون أن توكل إليه أعمال وظيفية، وله مطلق الحرية في أن يعمل وقت ما شاء دون حسيب أو رقيب. وهؤلاء طاقات معطلة لم تتم الاستفادة من خبراتها وتوجيهها في ما يعود بالنفع على المجتمع وعلى المؤسسة الحكومية.

كنت أتحدث مع أحد الوزراء حول هذا الموضوع وهل وزارته تستفيد من المستشار فقال لي إنّ المستشارين في وزارتي هم العمود الفقري وهم من يقودون القاطرة واعتمادنا عليهم كبير بكفاءتهم وخبرتهم الطويلة، وشدد على أهمية الاستفادة من خبرات المستشارين والخبراء، انتقلت بالسؤال إلى سعادة الوكيل الذي بادرني بالقول إنّك بتطرقك لهذا الموضوع تضع اليد على الجرح، وهذا موضوع شائك يثار بين الفينة والأخرى، وما أعرفه كمسؤول أنّ كل وظيفة حكومية لديها بطاقة وصف وظيفي محددة فيها مسؤوليات وواجبات وشروط شغل الوظيفة؛ أيًا كانت درجتها في السلم الوظيفي؛ فهي لها مهام ولابد من إنجازها ولابد أن تكون لكل موظف مهما بلغ منصبه مهام عمل يؤديها ويحاسب عليها من خلال التقييم السنوي؛ ولا خجل أن نوضح -والكلام لسعادة الوكيل- أنّ "هناك جهات حكومية تستفيد من وجود المستشار وتعتبره مصدر إلهام"، وفي المقابل تجد جهات حكومية أخرى عمل المستشار فيها معطل ووجوده في العمل لا يسمن ولا يغني من جوع. والمستشار في المقام الأول والأخير هو موظف ولابد أن يستفاد من عمله أو يحال للتقاعد برضاه ويجب ألا يظل متمسكا بمنصب المستشار إذا كان في الأساس لا يُستشار.

إذًا أين تكمن المشكلة؟ ومن هو الشخص الذي لديه السلطة المطلقة لتوجيه طاقات المستشارين؟ هذا الشخص باختصار هو "الوزير" فاذا أراد الوزير الاستفادة من المستشار أعطاه أعمالا ومهاما وشجعه، وإذا لم يلتفت إليه الوزير بقي مترنحا في هذه الوظيفة لسنوات حتى موعد تقاعده الإجباري.

من الآراء حول تعطيل الطاقات الوظيفية للمستشار وعدم استغلالها أخبرني موظف بدرجة خبير في إحدى المؤسسات الحكومية أنّ هذا واقع نعيشه بعد سنوات من العُمل والتدرج الوظيفي بالرغم من محاولة الآخرين إيجاد أقنعة لتبرير الواقع إلا أنه واقع مرير نحن خبراء كمسميات ولا يُستفاد من خبراتنا وفِي المقابل يتم استقطاب الخبراء الأجانب بمميزات ومخصصات مالية كبيرة، وهذا يجعلنا نتساءل لماذا هذا التناقض؟. إننا على أتم الاستعداد للعمل والإبداع فلماذا نُركن ويجلب وافدون وأبناء البلد على استطاعة تامة لإنجاز تلك المهام وبجودة عالية. كم من الأموال التي تهدر نتيجة عدم استغلال طاقات هؤلاء الخبراء والمستشارين، هناك العديد من الشواهد الحية وموجودة عن أولئك المهمشين بدون ذنب فقط لأنهم لم يروقوا لمسؤولهم ودخلوا في خلاف واختلاف.

أخيراً نتمنى من وزارة الخدمة المدنية أن تضع معايير للاستفادة من وظيفة الخبير والمستشار، وهناك قنوات عدة لإشراكه والاستفادة من خبراته من بينها إشراكه في اللجان الحكومية وتدوير هذه الوظيفة بين المؤسسات الحكومية.

فهل سنرى في المستقبل القريب مفهوما جديدا للمستشار والخبير؟