حمد بن سالم العلوي
عذرنا الآخر المُتربص بنا الذي كنَّا نظن أنه شقيق، ولكن بتصرفاته السيئة لا يُمكن أن نسميه إلا بما يليق به، ولأنه وضع نفسه في منزلة العدو بتربصه بنا الدوائر، وإنه ينصبُ مراكز الدراسات الإستراتيجية، وغرف العمليات المظلمة ليلحق الضرر بهذا الوطن، فلا يُمكن أن ننظر إليه إلا من زاوية تناسبه هو، وتشبع غروره.
كم طالبنا أن نكون واعين للشَّر الذي يُراد بعُمان، ولكن الأمر المؤسف، أن هناك من يرى الأمور بعين حولاء، والأخطر من ذلك، أن تشترى الذمم بالمال الفاسد المسمى ظلماً "هدايا وعطايا" فإذ الغرب لم يسلم من رشاويهم، باعتباره غنيمة من العدو، كما يراها مفتو الدين الجديد، إن أكل مال الكفار حلال، ولكن المسلم حُذِّرَ من الرشوة بالقول، إن الراشي والرائش والمرتشي في النار، إلا إذا بلغت بهم مرحلة لا يصدقون أن هناك جنة ونار.
ترى هل تواجه بلادنا خطرا حقيقيا وتهديدا للمنجزات؟ إن الذي يلدغ من الجحر أكثر من مرة فليس بمؤمن، ولا نتكلم هنا عن الإيمان بالله في الدين والعقيدة، وإنما نتكلم عن إيمان الناس بسيادة الوطن واستقراره، ومشاعر العزة والكرامة، التي أريقت دونها دماء، وأزهقت لأجلها الأرواح، ولا يزال بيننا رجال كُثر يضعون الروح على أكفهم فداءً للوطن والسلطان، متى ما جد الجد وبلغ الأمر مبلغ الرجولة والكرامة، فلن يترددوا في ذلك أبداً، ولكن عندما يرى هذا الوطني الشَّهم الكريم، أن روحه ستذهب في مهب الريح، وأن الصعاليك سيتقاسمون الغنيمة، حتماً سيتردد كثيراً قبل الإقدام على العمل البطولي.
إذن؛ لا تسقطوا الراية من الأيدي الشريفة، بسبب التخاذل والتَّسبهن، والطمع بما هو في يد الغير، فهناك مواطنون يحتشدون معنوياً للذود عن الوطن، والذبُّ عن شيمه وكرامته، وهؤلاء لا تجمعهم غرف عمليات مأجورة، وإنما تجمعهم معاني الرجولة والشهامة، والشعور ذاتياً بالمسؤولية تجاه الوطن والقائد، فما أكثر المواقف التي تعرضت لها البلاد لأهداف مشبوهة؟!
ترى؛ ألا من حدود لغض الطرف المتكرر؟ ومتى سنرى الأمور على واقعها؟! وهل ترقى هذه الأفعال لكي تسمى "مؤامرة" مع سبق الإصرار والترصد؟! وإذا لم تكن كذلك .. فبما نُعرِّفها إذن؟! ونحن هنا لا نطالب بمهاجمة آخرين، وإن أمعنوا في الخبث ضد هذا الوطن الرصين، ولكن نطالب كعمانيين غيورين نمثل الغالبية من هذا الشعب، أن تسدّ أبواب الذرائع أمام من يُجاهر بعداوته لنا، وبشتى الطرق والأساليب، ولم يفوّت فرصة إلا ويُعلن من خلالها خبثه وناوياه الخسيسة، وهل نحن سذَّج إلى هذه الدرجة، فلا نعرف الذي يُحاك ضدنا، وإذا هناك من لا تشبعه أموال عُمان، فلن يملأ جوفه إلا التراب.
وفي خضم ما سبق يتسرب من بين أيدي الجهات المعنية معلومة بالألوان، بأن محافظة بالكامل ليست ملتصقة بخارطتنا الجغرافية والسياسية، فنقول بعد حسن الظن.. إنَّ الإهمال وضعف الإشراف جريمة شنيعة، أحقاً كما يقول المثل العُماني "أينقع بنا محزمنا" وهو طوق أمننا، وإن كان هناك الكثير من الغيارى على الوطن، لن يقبلوا بهذا التبرير المبتذل، وقد عبر البعض عن وجهة نظره بتغريدات في تويتر، ثم هل يُعقل إذا أحدنا أراد أن يشك نعله - أجلَّكم الله - أن يذهب بها إلى وراء الحدود ليفعل ذلك، فإن كان الغرض هو تسليم الهبات للوافدين دون العمانيين، فعندنا منهم الكثير، ثم أين الدعم الذي تقدمه الحكومة للمجتهدين، فإذا استغللتم قيمة العمل في كتاب مدرسي يحمل نهج أمة، فلا بأس أن يعبث به المتربصون كيفما أرادوا، وذلك عندما يأتيهم إلى عقر دارهم.
ثم هل العيب في العُماني، أنه لا يعمل مثل الوافد، فالحق ليس عليه، ولكن على من لم يُعلمه، أن العمل ليس فيه عيب بل فيه شرف وكرامة، وأن الرزق لا يأتي بمثعاب يصبُّ من السماء على الأرض، وأن كل تاجر ناجح قد كافح بصبر وروية، حتى نال نصيبه في الحياة، فأحد المقاولين الكبار اليوم، وهو حي يرزق ويأخذ مقاولاته بالملايين، قال لي إنّه كان يساعد العمال (بشيول يدوي) على شحن سيارة بيكاب، وكان يقودها بنفسه، ولم ير عيباً في العمل، أما أنتم فقد علمتم الطلبة السبهنة والترف، وحب إعطاء التعليمات للخادمات في المنازل، لتأتيه بكوب ماء يشربه، فلا شك أن النتيجة ستكون هكذا، وكل شيء يفعله الوافد في بلادنا سببه نحن لسوء إدارتنا، ولا يجب أن ننظر لغيرنا في الأمور السلبية على أنه قدوة حسنة.
أقول بمرارة المواطن الغيور على وطنه، إن لم نحفظ وطننا العزيز عُمان، بكل ما نكن له من حب في القلوب، فنكون قد خنَّاهُ بل خنَّا وخذلنا جلالة السلطان، الذي ظل يسهر الليالي من أجل أن يُعيد لعُمان أمجادها العريقة، وأقول لكل متخاذل جبان يعبد المال، إننا لا نُجْبَر على شيء، ليس فيه كرامة عُمان فهي عَلَمَاً عالياً خفاقاً في وجداننا العميق، ولسنا قطيعًا من خراف نساق إلى المراعي صباحاً، ويعاد بنا في المساء إلى الزروب، فنحن إذ نستنشق الكرامة مع كل طلعة شمس، فالأفضل لنا ألا نطأ هذه الأرض المُقدسة بأحذية الذل والخذلان، إذ لم نكن في مستوى وقيمة عُمان، فإما أن نعيش عليها بكرامة وعزة نفس، وإما أن نموت من أجلها بشرف.
فكفى خذلاناً وتخاذلا وخنوعا لمن لا يملك إلاّ المال وحده، ولا يملك أي شيء من القيم بعده، أعز الله جلالة السلطان قابوس المعظم - وحفظه ومدَّ في عمره - فكرامتنا بكرامته، وعزتنا من عزته، وصون عُمان والحفاظ عليها رهن أمره، فلا نامت أعين الطامعين والأفاكين الرذلاء.. وفي الختام نقول؛ لابد من محاسبة ومعاقبة كل مُقصِّر ومهمل في عمله.