عبد الله العليان
لا شك أنَّ النَّقد في حياة الأُمم والحضارات، حاجة فكرية وضرورة موضوعية، لاختيار الرأي الأصعب والأصلح لتجّنب الأخطاء والسلبيات التي قد لا تكون غير واضحة أو بينة في الأفكار والأطروحات في الحياة الإنسانية، سواء كانت في المجال السياسي، أو الثقافي أو الإداري، أو الاقتصادي، أو غيرها من المجالات، ويُسهم الرأي النقدي في إبراز ما يجب تقويمه من وجهة نظر صاحبه، وربما تكون هناك آراء نقدية مقابلة، تقلل من هذا النقد، أو قد تتفق معه، وهكذا تظل المسألة النقدية رؤية أخرى تُصاحب الفكرة المطروحة بالتصويب النقدي، وهي قضية مهمة كما أشرنا، لكن هذا النقد ينبغي أن يتحلى بالموضوعية والإنصاف، في رؤيته الناقدة، وأن يكون متوازناً في هذا النقد، لا متحاملاً وناقماً، والإشكالية أن البعض عندما ينتقد ظاهرة أو قضية من القضايا، يتجه بصورة حدية، فيركز على السلبيات التي يراها هو، دون أن يكون موضوعياً ومنصفاً في الإشارة إلى الجانب الإيجابي، وهذه للأسف ظاهرة، يلاحظها الكثيرون.
فالنقد لاشك مطلب مهم، لكن من المهم أيضًا أن يتلازم النقد والموضوعية، وهذا بلا شك يساهم في قبول الرأي، ويجد القبول والتقدير، عكس النقد الذي يتجاهل الموضوعية في نقده، كما أنَّ المحاباة والمجاملة في النقد، ظاهرة لا تقل سلبية عن النقد الآخر الذي يغيب معه التجرد والإنصاف، وهذه بلا شك قضايا تحتاج إلى نظرة أخرى متوازنة.
لذلك فإنَّ عدم التوازن يحجب الفهم والتقبل من الجانب الآخر، لأن غياب الموضوعية، يسهم في عدم القبول، وربما الرفض التام، لأن الفكرة المنقودة، التي ليست منصفة وغاب فيها التجرد والعدل لا تلاقي التجاوب المطلوب حتى وإن كان ثمة رأي معقول في بعض أوجه هذا النقد، وعدم الموضوعية والإنصاف يقصي الجانب الإيجابي منه، لذلك يجب أن تتحقق أسس النقد البناء الذي ينبني على الموضوعية، والابتعاد عن شخصنة الرأي المطروح سواء بالتلميح أو التصريح، بحيث تكون الرؤية متجردة تماماً من أية أغراض أخرى، والحقيقة أنَّ أزمة الموضوعية كثر الحديث عنها في ظواهر وأحداث وقضايا كثيرة ومتداولة في الحديث وربما هناك حولها خلاف فكري وأيديولوجي بحيث إن المتراشقين في النقد ونقد النقد، لها خلفية أخرى لأن الجميع له منطلقات فكرية مضادة، لكن ما يهمنا هنا هو أن يكون النقد متجرداً من الأحكام المسبقة، ومن غياب التوازن والموضوعية.
منذ فترة كنت أتابع بعض الكتابات في وسائل التواصل الاجتماعي، في بعض القضايا والموضوعات المحلية والسياسية والفكرية، ولاحظت للأسف أن هناك رؤية حدية في بعض الآراء النقدية، فعندما ينقد البعض ظاهرة بعينها، فإنه يتجاهل أية إيجابية، وينظر نظرة واحدة فقط تجاه القضية المنقودة، وهذا بلا شك يفتقد للموضوعية، لأن الأمر الذي نريد إصلاحه لابد من الإنصاف وألا نغمط الجوانب الإيجابية، فهذا يعني أنك أقصيت جانباً وواقعاً، يفترض ألا نسكت عنه لمجرد أننا نختلف أو أن ثمة خطأ يحتاج إلى إصلاح وتغيير، لكن من الخطأ أيضا ًأن نتجاهل تماماً جانبا إيجابياً، ونتحدث عن جانب آخر، واعتبار أن الكل سلبي، فهذا في اعتقادي جانب سلبي في تغييب الموضوعية.