إيحاء المعنى ومعنى الإيحاء معماريا وتشكيليا

م.سعيد الصقلاوي - سلطنة عمان – مسقط

 

الإيحاء اسم فعله وحى- أوحى. يحمل متنه معاني الإشارات، والكلام الخفي، والإلهام، والإسرار. ويذكر الزمخشري أن " وحى- أوحى إليه و أومى بمعنى" و " وحيت إليه و أوميت إذا كلمته بما تخفيه عن غيره".  أما الجرجاني فيرى أن "الإيحاء إلقاء المعنى في النفس بخفاء وسرعة". وهذان الشرطان: الخفاء و السرعة، يحققان سرية التلقي وسرعته.  أي سرية استقبال الأثر، وسرعة التفاعل معه، و الانفعال به.
يشترك الزمخشري والجرجاني في اشتراط الخفاء أو الإخفاء. ولكن الزمخشري ساوى بين الإيحاء والإيماء، و ذلك في قوله "أوحى إليه و أومى بمعنى". وإذا كان هذا التساوي متحققا في الوظيفة إلا أنهما (الإيحاء و الإيماء) لا يتطابقان بالضرورة.
وترسل عناصر التشكيل المعماري إشارات توحي بمعنى يشتمل مضمونا.  فهي كلام ظاهر التكوين لكنه خفي المعنى، غير صائت لكنه مسموع، يدل، و يسرّ، و يشير، و ينبه.  إنه يبث المعنى بلفظ غير منطوق، فيتيسر للعين قراءته بصريا،  وللعقل استقباله، و للنفس استيعاب مضمونه، و للفكر محاورته.
والجدير بالذكر، أن القراءة البصرية توفر إحساسا بصريا يصدره ضوء المعنى، فيتآلف الإحساس بالمرئي حد التشبع. ويصبح الحقل البصري عندئذ مجالاً تنعكس عليه صفات الموحي (المرسل للإيحاء كالأشياء و العناصر المعمارية و التشكيلية)، و من ثَم يتألق المعنى الإيحائي، فيصير تمثل مظهره ممكناً، وتفهم كناياته متاحاً، وإدراك استعاراته متيسراً، واستيعاب مجازاته مقبولاً.
وعن كيفية حدوث الإحساس بالصورة، و انتقاله إلى النفس ليكون أثرا فيها، يجمل ابن سينا(373هـ-427هـ) حكمته في أن "للأمور وجود في الأعيان"، بمعنى أن العنصر المعماري مثلا يتحقق حضوره عن طريق المشاهدة بالعين.  و أنه كذلك له "وجود في النفس، يكون آثارا في النفس"، إذ تستوعبه النفس و تتأثربه، فيكون آثارا فيها.  و هذا الحضور العيني، و الوجود النفسي، و الأثر المتكون يتأكد عبر مراحل متراتبة و متعاقبة. تتقلب فيها صورة العنصر المعماري حتى تصبح أثرا (أي حتى تصبح معنى موحى به).  و يتم بواسطة "قوة حسية ترتسم فيها صور الأمور الخارجية" عن طريق الاتصال المباشر بواسطة الحواس الخارجية، فتحصل المشاهدة بالعين، و الملامسة باليد، و تتأتى الصور المرتسمة بالقوة الحسية إلى النفس "فترتسم فيها ارتساما ثانيا ثابتا، و إن غاب عن الحس".  وحينئذ ، ينشط الاتصال غير المباشر، فتتحرك الحواس الداخلية القريبة من النفس، و المحاذية للروح، فيتم الشعور بالمحسوس، وربما "ارتسم بعد ذلك في النفس أمور على نحو ما أداه الحس".  و عندئذ، "فإما أن تكون هي المرتسمات في الحس، و لكنها انقلبت عن هيئتها المحسوسة إلى التجريد أو تكون ارتسمت من جنبة أخرى".
إن القبة في المسجد على سبيل المثال، تمثل عنصرا معماريا هاما ينجذب إليها الإحساس باعتبارها معادلا موضوعيا لقبة السماء.  وينظر كذلك إلى الشمسيات و القمريات، و النوافذ و الكوى، و الفتحات الموزعة على رقبة القبة، و في المستويات العليا لجدران بيت الصلاة في المسجد باعتبارها معادلا موضوعيا للمصابيح التي تزين السماء الدنيا ، كما جاء في التنزيل الحكيم " و لقد زينا السماء الدنيا بمصابيح"، إذ ترسل هذه المصابيح إشعاعها النوراني المقدس إلى الأرض.  فهي مساقط ضوء سماوي يضفي إشراقات روحانية على النفس المتعبدة.  فالله نور السموات و الأرض.  و هو نور على نور.
و يتعمق الإيحاء الروحاني من الأضواء المنهمرة خلال الشمسيات و القمريات التي يضاف إليها تشكيلات رقشية ممزوجة بكتابات قرآنية.  كما أن استخدام ألواح الزجاج الملون بالأحمر، و الأزرق، و الأخضر، والذهبي ، و المرجاني، و الياقوتي، و إضافتها ‘ إلى التشكيلات الرقشية ، و التنويعات الزخرفية يمثل "استدعاء لألوان الجنة كما وردت في القرآن الكريم".  وتعتبر الثريا أو المشكاة المتدلية من وسط القبة معادلا لكواكب السماء الدرية التي ترسل الأنوار الإلهية المشرقة ، كما جاء في التنزيل الكريم "إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب" و قوله "الله نور السماوات و الأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية و لا غربية يكاد زيتها يضيئ و لو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء و يضرب الله الأمثال للناس و الله بكل شئ عليم".
و يرى أبو حاتم الرازي (322هـ) أن " كل شئ يعرف باسمه".  بمعنى أن العنصر المعماري أو التشكيلي (و هو- هنا- الشيئ) يعرف باسمه الاصطلاحي المتواضع (المتفق) عليه.  و لكنه (أي الشئ) " يستدل عليه بصفته من شاهد يدرك، و غائب لايدرك".  فالصفة التشكيلية للعنصر المعماري تدل عليه.  و تهيء الشاهد الذي يدرك بالبصر، أو باللمس، و لكن معناه غائب خفي لايدرك بالبصر، فلعله يدرك بالبصيرة.  و كأن أبا حاتم الرازي يضع الدلالة هنا معادلا موضوعيا للإيحاء.
ويلاحظ أن علاقة ما تنشأ بين الشيئ و اسمه، و بين الشيئ و صفته، و بين صفة الشيئ والاستدلال عليه، و بين حضوره (شهود الشيئ) ماديا و معنويا و الإدراك أو عدمه. و يبرز الإستدلال كالتماعة هادية، و إيماءة مرشدة.  و أما الدلالة فإنها "تشكل علاقة رمزية بين الدال (و هو الشيء الموحي كالعنصر المعماري أو التشكيلي) و المدلول (وهو المعنى الموحى به)، وبين المنعكسات الثقافية، و السمات الإجتماعية، والإنطباعات النفسية، و التجليات الروحانية، والمعطيات الفكرية، و السياقات الموقعية.
و من الواضح،  أن الدلالة تكشف عن ماهية المعاني. وتفسر كيفيتها.  كما أن الدلالي يبين واقع التغير و التطور عبر حركات الزمان و تبدلاته، وعبر مساحات المكان و اختلافاته، وعبر تواتر الحضور الفكري و انطلاقاته، وعبر المسار الثقافي و تحولاته، و عبر الإبداع الفني والمعماري و تنوعاته.
فهل الدلالة هي الإيحاء؟ و هل أحدهما محتوى الآخر، اومحتويه، أو مصدره؟  يبدو أن مقاربة ظاهرية قد تجمع بين الإيحاء و الدلالة حد التماهي.  فالدلالة باعتبارها صادرة عن دال (و هو العنصر التشكيلي، أو المفردة المعمارية مثلا) كي تدل على مدلول به و هو المعنى، قد تقترب إلى حد بعيد من الإيحاء باعتباره أيضا صادر عن مرسل للإيحاء (موحي) وهو العنصر المعماري  ليوحي بمعنى. ولعل شرطي السرعة و الخفاء يظلان زجاج المسافة الشفافة التي تسمح بإطلالتهما على بعض، و تلامس ملامحهما،  دون أن يتماهيا كلية.
وليس من السهولة تبين معنى الإيحاء بوضوح. إذ "لا يخلو من اللبس و الغموض".  ولهذا اختلفت فيه طروحات الفلاسفة، و تعددت فيه آراء المنظرين.  و ينظر إليه باعتباره موّلدا للأفكار في ذهن المتلقي، و ذلك عن طريق التأثير الذي يحدثه عامل خارجي.  فقد يكون هذا العامل الخارجي المرسل للإيحاء (الموحي) إشارة رمزية أو دلالية ، أو حركة تشكيلية، أومساحة لونية، أو خطا منحنيا ،أو منكسرا، أو مستقيما، أو كتلة، أو علامة معمارية، أو غير ذلك، فتوحي بالأفكار، و تثير العواطف، و تنشط الأفعال، فتبث السؤال، و يتجدد المقال.  و من ثَم "تستدعي المعاني بعضها بعضا".  ولذا يهتم المعمار بصياغة لغة العناصر التشكيلية، و ابتداع المفردات المعمارية الموحية، كي توحي بجوهر السؤال، و من ثم الاستغراق في استشراف إشعاعه، و مباهج تنويعاته.
فالمئذنة بوصفها مفردة معمارية، وعنصرا تشكيليا سامقا، ومتصاعدا، وظيفتها: النداء، والتبليغ، والدعوة إلى الصلاة.  تدل على روحانية المبنى المنتمية إليه، و تفصح عنه وعن هويته، فيعرف بأنه مسجد.  و تعبر كذلك عن العالم الروحاني الذي يظل المدينة الإسلامية، ويهيمن عليها .  و يعرج بها إلى الملكوت الأعلا. و "بارتقائها نحو الأعلى  تعبر عن السمو، وتفكر المؤمن بالسماء، و توقه إلى الله".
إن الإيحاء الذي تعطية عناصر التشكيل يتضمن تجليات المعاني، و دلالات الأفكار في الهيبة والسمو، و الشموخ و العلو، وفي الارتفاع و الانخفاض، و في الجمال و الجلال، و في الحركة و السكون، و في الاتساع والضيق، و في الثبات و الاندفاع، و في تعامد الأفقي مع الرأسي، وفي الانفتاح و الانغلاق، وفي ألوان البهجة و الوان الكآبة ، و في الانتشار و الانطواء، و في الانطلاق و الانكفاء، و في الخفة و الثقل، وفي الإتجاه المحوري، و في الظل و النور، و في الكتلة و الفراغ، وفي الحجم و التناسب، وفي الإختلال و الاتزان. و لعل مسجد أيا صوفيا في اسطنبول مثل صادق يتجلى للعيان. إذ كان كنيسة تم تحويلها إلى مسجد بإضافة أربع مآذن منبثقة نحو السماء.  حولت كتلة المبنى الضخمة الثقيلة المشدودة بقوة باتجاه الأرض إلى كتلة رشيقة خفيفة رفعتها المآذن نحو الملأ الأعلا.
وإذا كانت لغة الشكل تخلق مجالا عقليا محددا، وموضوعا مدركا، و مجالا بصريا ملموسا، فإنها في ذات الوقت تكون مجالا ذاتيا يثير النفس، ويؤثر في الوجدان، و يهيج الإحساس.
وفي قراءة بصرية أجراها الكسندر إليوت في كتابه "آفاق الفن" لكل من قصر الحمراء بغرناطة أسبانيا، و كنيسة شارتر القوطية الشهيرة بفرنسا، كان أكثر تفهما، و أكثر إدراكا لإيحاء المعاني المنبعثة من مضمون المبنيين، و من تضاد الفضاء الأفقي لقصر الحمراء مع الفضاء العمودي (الرأسي) لكنيسة شارتر، "فلئن كان قصر الحمراء برفرفته يضيئ الأبدية في الدنى، فإن كاثدرائية شارتر تضيء الأبدية في العُلى".  و يوغل في استيعاب إيحاء المعنى الذي طبعه في نفسه تكوين قصر الحمراء، و بلورته رؤيته لهذا المبنى الرائع الجميل، فانسكب إحساسه الشفاف المرهف بالقصر الساكن أحشاء غرناطة، و المتربع فوق "ذروة التل يرفرف كالسراب" .  و يشعره دخول القصر بأنه " إنسحاب من العالم".  و أن زخارفه المتراصة ، والمتوالية، تشكل منظومة "تقتنص العين، كلها جذل لا حد له".  فيستقر في قلبه بأن "قصر الحمراء تجريدي بحت".  و يبصر وعيه بأنه "صُمم وفق جريان ما يعجز عنه التأمل".
ومن هنا يكتسب الشكل مضمونه الفكري، و معناه الموضوعي، و حضوره الثقافي.  فعلى الرغم من ليونة محيط البرج الاسطواني (كقلعة نزوى) أو البرج  المخروطي (كأبراج حصن الخندق في البريمي) ، إلا أن جدرانه المصمتة الخالية من الفتحات، أو شبه الخالية منها، أو النادرة النوافذ، أو القليلة الكوى، توحي بثقل مظهره، و تومئ إلى صرامته، و تنبئ عن صلابته و قوته.  و لكن كثرة انتشار الفتحات و النوافذ و الكوى في جدران برج مماثل تعكس الانطباع بخفة مظهره العام.  و تولّد في النفس الإحساس برشاقته.  و تفصح عن عدم قسوته، و لاتظهر هيبته.
ويلاحظ أن الإيحاء الذي ترسله لغة الشكل يتعالق مع مضمونه الفكري و الوظيفي. وينتج عن توظيف عناصر التشكيل المعماري معان تظل إيحاآتها حاضرة، تنطق في تكوين الشكل بالجلال والجمال، و الهيبة و الثراء.  كما في قصري جبرين والحزم في ولايتي بهلا والرستاق في عمان، على الرغم من عدم دوام ثراء و هيبة الإمامين الذين شيداهما و هما بلعرب بن سلطان، وسلطان بن سيف اليعربيان في القرنين السابع عشر، والثامن عشر الميلاديين.  و كما في قصر فرساي بفرنسا الذي تسر المشاهد رؤيته، إذ يغري اتساعه بسيطرة الإتجاه الأفقي في تشكيل واجهته، و يوحي تشكيلها بسمو تكوينه وعظمته، بالرغم من عدم وجود ملك فرساي.  وبالرغم من اختفاء عظمته، و زوال سيطرته .
إن إمعان المعمار في ابتكار الإشارات الفنية، و العناصر التشكيلية، و العلامات المعمارية المعبرة، و الاحتفاء بمساحاتها، و ألوانها، و تشكيلاتها، يفيض بمدلول أو معنى.  و أن تأويل هذا المدلول أو المعنى ينبع من فيض المجاز الذي يستقرأ فيستنطق الباطن، فيوفر بالتالي فرصة الحوار للمتلقي، سواء كان هذا الحوار ناطقا مباشرا، و صامتا مضمرا.  و سواء كان حدسا فكريا، أو إشراقا روحانيا.
فإذا نظرنا إلى الذروات، أو الشرفات كما تسمى في مصر، أو النهايات، أو عرائس السماء كما تسمى في بلاد الشام، و تسمى المحاريب في بعض البلاد العمانية.  و هي عناصر معمارية ذات أشكال متنوعة منها المسنن، و المدرج، و المورق، و المزهر و غيرها، لو جدناها تستخدم لتتويج جدران المسجد، و لتوفير الحماية لسطحه، و لتزيينه، و لتساهم في إحداث التناسب و التوازن. و لكن حقيقة معناها الظاهره توجيه نهاية المسجد نحو المطلق.
وجاءت حركتها المتصاعدة إلى السماء مقابلة لاتجاه الفراغ الهابط نحو الأرض الذي يفصل بين الوحدات، فخلق تبادلا أعطى تعبيرا عن التحام الأرض بالسماء. وأصبح ينظر إلى هذه العرائس، و الشرفات، و المحاريب كأكف ضارعة تسبح للخالق. وأنها كما يقول حسين مؤنس"تسبح بحمد الله و تنشد ترنيمات دينية".
وهي في ذلك تجاوزت معناها الظاهري في الكتلة و الفراغ، أو في "الصورة و الفراغ"، لتبدو الصورة (الكتلة) مضيئة تمثل المصباح، و ليبدو الفراغ خافتا ، بقعة سوداء، يمثل الظل.  فاجتازت مجال حقل المعاني الحقيقية أو الواقعية، إلى مجال حقل المعاني المجازية التي حلق التأويل فيها، و أبدع في تفريعها، و أضاف إليها.
فالتأويل يعمل على إخراج معنى محتمل من معنى ظاهر، أو صرف معنى ظاهر إلى معنى محتمل.  فكأنه في الحالين تناسل معنى من معنى، أو كأنه خروج معنى على مقتضى ظاهره. و بعبارة أخرى هو استبصار ما وراء الظاهر.  أي أنه معنى غير متوقع، و غير عادي، و غير مطروق، و غير متداول ،  و متجدد غير ساكن، ومطلق غير محدود.  يبرع تأمل المجاز في تهيئته، و من ثم انبثاقه، و بلورته.  و لعل غاية التأويل إيجاد علاقة توفيقية بين ظاهر المعنى (للعنصر المعماري أو العلامة التشكيلية) و باطنه، و بين الدلالة المجردة، و فيض الإيحاء.  و لكنه يختلف عن التفسير الذي يعنى بالكشف، و الإظهار، و الإفهام، حتى يصبح المجهول معلوما، و الخفي واضحا.
وعلى سبيل المثال، فإن المحراب بوصفه عنصرا معماريا، و ظيفته احتواء الإمام كي يصلي فيه.  و ظاهر معناه يشير إلى اتجاه القبلة.  و لكنه (أي المحراب) يوحي ببوابة تعْبر منها المسيرة الإيمانية المحتشدة خشوعا إلى ربها راضية مرضية بقيادة إمامها و هو قائم بالمحراب يصلي، متجهة إلى الملكوت الأعلا، و فيضه الإلهي.
و المحراب في المساجد العمانية التقليدية يبرز أبيض ناصعا، و منفردا و حيدا تزينة النقوش الزخرفية، و الرقوش التشكيلية، و الكتابات القرآنية.  يتبؤ مكانه وسط جدران بيت الصلاة.  يشع روحانية على جدران المسجد الطينية الزاهدة، و المحتفية ببهائه، و رشاقته، و جماله.  يتهيئ إشراقا لاستقبال مواكب المؤمنين الخاشعين، الضارعين، التواقين إلى الاتصال بخالق الكون و الوجود، و رب الأرض و السماء المعبود، كي يمروا من خلاله إماما و مأمومين بأرواحهم، و يعبروا بوجدانهم، و ينفذوا بإيمانهم، إلى رحاب الله، طمعا في رحمته ، و سعيا لمغفرته، و طلبا جنته " تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا".
و من الجلي بيانه، أن العلاقة بين العنصر التشكيلي أو المفردة المعمارية، و الرائي (المتلقي، أو القاريئ بصريا) تبدو علاقة أبعد من أن تكون حسية ظاهرية فقط، و تبدو كذلك علاقة أعمق من أن تكون ذات دلالة عقلية مجردة، أو علاقة منطقية مقيدة فقط.  و تبدو أوسع تنوعا من أن تكون علاقة نمطية و حسب.  و لكنها تبدو في ذات الوقت علاقة إيحائية مطلقة غير محددة، يثري خطاب لغة الإبداع و التشكيل تفاعلها الوجداني "فيتجاوب فيها الحي مع الحي".  و يتراسل فيها الظاهر مع الباطن، و يتضامن فيها المادي مع الروحي.  و يتواصل فيها الآني مع الإستشرافي.  و تلتقي فيها ثقافة المكان بثقافة الإنسان على جسر الزمان كاسرة شرانق المسافات فيفضي بعضها إلى بعض دون موانع معترضة، أو حدود مفترضة.

تعليق عبر الفيس بوك