ترانزيت الحياة

مدرين المكتومية

هناك حكايات في الحياة كالعمر، تأتي مرة واحدة ولا يأتي بعدها آخر، ولايُمكن أن يأتي غيرها أيضًا مهما كان وسيكون لأنها ثابتة في القلب كثبات الأصابع في راحتي اليد، وتلك الحكايات لابد أن يكون لها أبطالها الذين يتراقصون في سرد التفاصيل ويحددون البدايات للوصول لنهايات ولربما يقفون في المنتصف غير قادرين على استيعاب الحقيقة أو استكمال الطريق خوفاً من المفاجآت غير المتوقعة، فالحياة بمجملها مطارات تختلط فيها المشاعر، لكن في النهاية لابد من الوقوف عندها، للمضي للمحطة التي تليها، ليتسنى لأيِّ شخص الحصول على فرصة أفضل من تلك التي رحلت دون أن يحقق فيها شيئاً يذكر.

لكل محطة هناك من نلتقيهم، وهناك من نسقطهم من الذاكرة، وهناك من نتركهم لنرحل لغيرهم، وهناك من نجد أنفسنا بدونهم أفضل، وهناك من نتمنى أن يطول بنا الوقت معهم، وهناك من نهدي لهم سنين العمر غير مبالين بما يترتب بعد ذلك، فهناك رجل في حياة امرأة ترى فيه عالمها اللامتناهي، رجل ببذلته الأنيقة لا ينطق إلا صدقًا، ولا ينظر إلا حباً ولا يذكر إلا الكرامة، وهناك أمراة في حياة الرجل، لا يرى منها إلا ابتسامتها، ولا يستند إلا على قوتها، ولا يقف إلا عند انتظارها، وهناك من يجد نفسه في المُنتصف، يعيش عابرا للحب والحدود يجد نفسه في كل الطرق والمحطات، لا يمكنه إلا أن يقف عند كل محطة ويأخذ منها ما يُناسبه من الشخص ليزيد من رصيد التجربة ويرحل.

هناك أناس تضج بهم خطواتنا، وأناس نجدهم في كل الأماكن التي نرتادها كالمقاهي ونشعر بشيء ما يشبهنا، فنجد أنفسنا لا شعوريا نطيل النظر إليهم، نود أن نعرفهم عن قرب، نشعر بأنَّ في نظراتهم لدقائق الساعة مواعيد لا يُمكن تركها، وفي شهيق وزفير تبغ سجائرهم شيء من الحرقة، وهناك من نجدهم يُسابقون غيرهم للوصول إلى طاولة بعينها ومقعد بزاوية يمكن من خلالها تصويب أنظارهم لكل الزوايا التي يشغلها الآخرون ليتعرفوا على حكاية كل مرتادي المكان من خلال الإيماءات وردود الفعل.

في كل مكان من سنوات العمر هناك أشخاص نمر عليهم ولكن أثرهم يظل قوياً وبريقهم لا ينطفئ ومشاعرنا تجاههم تزداد ولا تقل أبدا، بل في كل لحظة مصادفة تعود نقطة البداية من جديد لنعطيهم الأعذار ونختلق لهم فرصا للعودة مرة أخرى، وهناك أيضاً عابرون نتمنى لو أنَّ القدر قد أسعفنا لنتبادل معهم لحظة حديث عابرة، أو نظرة مشابهة، أو حتى ابتسامة مليئة بالرضا والامتنان، فالعابرون أيضا أشخاص نصادفهم ليعيدوا لنا تشكيل أنفسنا، ليعيدوا لنا الثقة، وأبسط الأشياء منهم حتى وإن كانت "كلمة" تمثل في أحيان كثيرة سعادة مطلقة وعمرا متجددا، وكل هؤلاء العابرين أقرب ما يمكن أن نطلق عليهم "ترانزيت الحياة" قصدناهم في مرحلة وواصلنا دونهم باقي المراحل المتبقية لنصادف غيرهم وتظل الحكاية مستمرة ليعود بنا الزمن بشكل مكرر وبنفس الطريقة عند كل مرحلة ومحطة يكتبها لنا القدر، لنكون نحن أيضاً عابرين في حياة آخرين.