الكرم العُماني الأصيل

علي بن كفيتان

لله درُّ أناسٍ تُحركهم الحمية الإنسانية فيهبون جميعًا كالسيل العرم، متناسين كل شيء في مقابل الهدف الأسمى والأنقى والأتقى، لكي تظل ظفار موردَ كل ظامئ وسندَ كل محتاج. نعم، هم يفعلون ذلك من تلقاء أنفسهم، فلا يحتاجون للتبريرات، وليس واردًا في قاموسهم التشكيكات؛ فمجرد أن تحتاجهم ظفار تجدهم إلى جانبها بكل أطيافهم، فهم يحبون إنفاق المال لأبواب الخير، ولا يختلف في هذه الخاصة غنيهم عن فقيرهم، هم جميعا أحفاد حاتم الطائي في كرمه وإنفاقه، لا ينظرون للأرقام مهما عظُمت فهم مقتنعون بأن ما بداخلهم أعظم من كل كنوز الدنيا؛ لذلك حافظوا على تكافل مجتمعهم، وشكلوا صفحة يندر وصفها في هذا الزمن، وهم في ذلك لا يختلفون عن باقي مكونات المجتمع العماني الأصيل التكافلي بطبعه.
تكفَّلت تغريدة من سعادة الدكتور عضو مجلس الشورى ممثل ولاية سدح، حول طفل بحاجة ماسة لزراعة كلية بجمع المبلغ المطلوب في وقت قياسي لم يتعدَّ عدة أيام، ووصلتني بالأمس رسالة متداولة من والد الطفل يشكر فيها كل أبناء ظفار الذين هبوا لنجدة ابنه، ومنحه فرصة أخرى للحياة، وأشار إلى أن المبلغ المطلوب والمقدَّر بـ80 ألف قد اكتمل، ويطلب وقف التحويلات النقدية إلى حسابه. لقد استوقفتني كثيرا تلك العبارة، وهي طَلَب وقف التحويلات إلى الحساب، ولا أظن أنَّ من السهل وقف ساعة الكرم والعطاء في نفوس الناس التي تعاطفتْ مع ذلك الجسم الشاحب، الذي أمضي 11 عاما وهو يعاني، واستنفدت أسرته كل طاقتها المالية خلال الأعوام الماضية لإيجاد علاج، واليوم عبَّر الرجل عن امتنانه لظفار كاملة من سواحلها ومدنها إلى أريافها وفيافيها التي لبَّت النداء، وطمرت الألم، وأحيت الأمل مجددًا بإذن الله.
تابعتُ بشغف تحرُّك المجتمع عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ حيث ضجَّت جميع مجموعات الواتساب بالعطايا والهبات، فتجد قوائم وكشوفات فيها رجال ونساء وأطفال تبرَّعوا، وكلهم لا يطلبون إلا رقم حساب والد الطفل المريض، أو التواصل مع سعادة الدكتور عضو مجلس الشورى ممثل ولاية سدح، الذي شكل المحور الأساسي لهذه الهبة الإنسانية، فله من كل أهل ظفار الشكر والامتنان على منحهم الفرصة للبذل والعطاء في باب من أبواب الخير تعوَّدوا عليه بينهم منذ الأزل.
يمُول المجتمع في ظفار -وأيضا في مُختلف محافظات السلطنة- علاجَ عشرات الحالات المرضية المستعصية سنويا، وأغلبها في مجال الكبد والكلى، وحالة هذا الطفل ليستْ استثناءً، وأتوقع أن المبالغ التي يُسهم بها أفراد المجتمع بشكل عفوي سنويا لو تم تجميعها لتكفَّلت ببناء مستشفى لمثل هذه الحالات. فهنا تأتي تراتبية استثنائية في التعامل مع هذه الحالات؛ فأولا يتم الكشف عنها عبر تشخيص مُتقن، وبعد ذلك تتكفل المكونات الاجتماعية الأقرب للمريض بتبني الحالة، وفي غالب الأحيان لا يحتاج الأمر طلب المساعدة من كافة أفراد المجتمع في ظفار، فكل مكون حسب إمكانياته يقوم بتأمين المبلغ موزعاً بالتساوي على الأفراد العاملين. أما في الحالات الاستثنائية، فيتم اللجوء لجميع المكونات الاجتماعية في ظفار، فيتوفر أي مبلغ مهما عظم، وفي وقت قياسي، خاصةً عندما تكون الحالة المرضية تحتاج للإسراع بالعلاج مثل حالة الطفل التي نحن بصددها في هذا المقال.
-----------------------------
نقطة نظام:
هذا هو الوجه الجميل لظفار، الذي نحرص على إبقائه مُشرقاً، وهذه هي القامة المنتصبة لكل أهل هذه المحافظة التي ننشدها.

alikafetan@gmail.com