التطور التكنولوجي والسبات العربي

منصور القاسمي *


تتسارع وتيرة موجة التطور التكنولوجي في الدول المتقدمة يوما بعد يوم، والعالم العربي للأسف الشديد في سبات نوم عميق، يتصارع فيما بينه من أجل لقمة العيش واستعراض العضلات والاستمتاع بالحياة والتمسك بالعادات والتقاليد، والاعتماد على تلك الدول وما ترميه من مُخلَّفات تكنولوجية باهظة الثمن نستهلكها في حياتنا وتجارتنا وصناعاتنا وحتى أمننا.
تكنولوجيا المستقبل تكنولوجيا ذكية جدا، قد تكون هادفة وهادمة"بنفس الوقت؛ هادفه بمعنى أنها سوف تقوم بتيسير الأمور وتطوير الأعمال وربط جميع الاتجاهات ببعضها البعض؛ من خلال الكثير من برامج الذكاء الاصطناعي، مربوطة بالأقمار الاصطناعية وعلوم الكمبيوتر والمعلومات، وآلات ذكية متطورة تعمل بشكل مستمر دون توقف أو تعب أو تذمر، وتتفاعل مع البشر والتعرف على الكلام والنطق والإحساس والتخطيط وحل المشكلات المعقدة والقدرة على التلاعب وتحريك الكائن، وبالمقابل لا تحتاج إلى إجازة أو عطلة نهاية الأسبوع أو رواتب نهاية الشهر، ولا حتى زيادة في الأجور! ولا محال أنها سوف تحل مكان الكثير من البشر في الكثير من مواقع العمل المختلفة والتشغيلية والصناعية والخدمات والنقل المختلفة كالبر والبحر والجو والسياحة والزراعة والصيد والطب والهندسة...وغيرها، وسوف تؤثر تأثيرا مباشرا في الحياة البشرية الطبيعية والتعاملات والعلاقات والمستقبل. هذه التكنولوجيا المتطورة قد تكون هادمة وخطيرة بنفس الوقت تهدد حياة البشر من خلال الإحلال المباشر للكثير من الأعمال والخدمات، وقد تستعمل كأداة عسكرية حربية خبيثة تبيد العالم في ثوانٍ؛ ما لم تستعد البشرية لأن تكون جزءا من هذه اللعبه التكنولوجية والذكاء الاصطناعي.
ودعا شون كولي الخبير في التقنية واللوجستيات من جامعة كرانفيلد-بريطانيا، في المنتدى اللوجيستي لمركز عمان للوجستيات -أسياد- مؤخرا إلى الاستعداد المبكر لاستقبال موجات من التطور التكنولوجي والذكاء الاصطناعي والاستفادة من تلك التكنولوجيا في الكثير من الخدمات والصناعات والحياة، مستشفعا بالكثير من التحول الجذري لخدمات وصناعات الكثير من المؤسسات لبعض من الدول المتقدمه وما وصلت إليه من تطور ملحوظ في الذكاء الاصطناعي؛ فمثلا شركات ومخازن أمازون قامت بتشغيل المئات من الروبوتات الذكية لتحل مكان الآلاف من العماله البشرية وشركة جي.دي الصينية حولت تشغيل مرافقها الصناعية إلى آلات ذكية أسهمت بتفعيل وتسريع الخدمات إلى الملايين من العملاء في مختلف أنحاء العالم، وهناك أيضا شركة أوكادو الذي يحتوي على الآلاف من الروبوتات تعمل على بيع التجزئة والتعبئة لما يقارب الـ65000 ألف أمر شراء والتواصل من خلال شبكة المعلومات. "ناسا" تطور علم الفضاء وسنرى سفنا فضائية مسيطرة، والكثير من الدول تسابق الزمن في التطور التكنولوجي والذكاء الصناعي، شركة مرسيدس في ألمانيا تطور شاحنات المستقبل وبعض أنواع من السيارات ذاتية القيادة، "بلو إليكتريك" قامت بتصميم مغذٍّ لحاويات السفن والإسطول البحري بحيث تتمكن هذه التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي من أن تكون بديلا للطاقم البشري في تلك السفن وتقليل مخاطر الأخطاء البشرية، خصوصا في المجال الجوي؛ بحيث تحل هذه الآلات وتتصرف مثل البشر وقادرة على المحاكاة والوصول إلى الأشياء، والفئات، والخصائص، والعلاقات بين الجميع والقدرة على التفكير وحل المشكلات المعقدة.
الموجة قادمة لا محالة، وما يجب علينا إلا الاستيقاظ من النوم والاستعداد، وأن نكون جزءا من هذا التطور الاصطناعي، وأن نخطط بفكر متطور للمستقبل والتحديات التي تواجهنا، وعلى الجهات المتخصصة في المراكز البحثية وتقنية المعلومات والاتصالات بمجلس البحث العلمي والابتكار والمجلس الأعلى للتخطيط -برنامج "تنفيذ"-والمؤسسات الأكاديمية والتعليمية والقطاع الخاص، الاستعداد المبكر والتخطيط الجاد لهذا المستقبل من خلال تجهيز مخرجات التعليم بنظام ومنهج دراسي متطور؛ بحيث يتم إضافة مواد متخصصة في المناهج الدراسية بالذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا المعلومات تبدأ في سن مبكرة بداية من المراحل الدراسية بالصف الثالث إلى الثاني عشر، ومن ثم يتخصص طلابنا في جامعات وكليات ومعاهد تدريبية تكون متخصصة بتكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي لتتواكب مسيرة هذا التطور التكنولوجي والتعلم على المدخلات والمخرجات الرقميه والهندسة التكنولوجية وعلوم الكمبيوتر والبيانات والبرمجة الذكية والرقمية والتحليل الرياضي لخوارزميات تعلم الآلة وأداؤها وبالتالي اكتشاف وظائف يولِّد مخرجات وطنية مناسبة تتعامل مع الذكاء الاصطناعي بكل مقوماته وخصائصه، ولها القدرة على استنتاج الجوانب المختلفة للعالم الذكي وحماية الوطن ومقدساته من أية هجمات تكنولوجيه هادمة، والتركيز على تطوير جميع المجالات الاقتصادية والتجارية والصناعية والعسكرية والخدمات.. فما يجب علينا إلا أن نستعد من الآن!
... استيقظ من النوم!


* أكاديمي تخصص علم اللوجيستيات

تعليق عبر الفيس بوك