التمييز بين المجلس النيابي البحريني وأعضائه

عبيدلي العبيدلي

 

رغم أن الوقت لا يزال مبكرا على كشف المرشحين الراغبين في النجاح لمجلس 2018 عن رغبتهم في الترشح للجلس النيابي البحريني، لكن ذلك لم يمنع مجموعة لا بأس بها، من حيث العدد عن الإفصاح غير الرسمي عن رغبتهم في خوض هذه التجربة. والجدير بالذكر هنا أن القوائم طويلة، وعدد المنتسبين لها في تزايد، وهي ظاهرة غير مسبوقة في تاريخ العمل البرلماني البحريني. يأتي ذلك في فترة يواجه فيها مجلس النواب حملة يمكن وصفها بالشعواء، وهي شبه منظمة تصب جام غضبها على أداء المجلس خلال الدورة التشريعية الحالية (2014 - 2018). وغالبا ما تنتهي سهام المتحاملين على المجلس عند مقولة، بتنا نسمعها تتكرر في كل محادثة أو حوار يحاول تقويم هذه المرحلة، تدعو إلى إغلاق أبواب المجلس التشريعي، ووأد التجربة وهي فتية طرية العود.

وحول هذه الظاهرة، ينبغي التمييز بين قضيتين أساسيتين: المجلس النيابي كمؤسسة من جهة، وأداء أعضائه خلال دورة معينة من جهة ثانية، فمهما بلغ سوء فعالية هؤلاء الآخرين لا ينبغي أن توصلنا مقدمة عدم الرضا عما قدموه إلى الدعوة لإلغاء المجلس المنتخب؛ وذلك للأسباب التالية:

1- أن المجلس النيابي مطلب شعبي بحريني تعود جذوره إلى الثلاثينيات من القرن الماضي، إن لم يكن في مطلع العشرينيات منه. فكما تجمع المصادر التاريخية الموثوقة جاء أول تعبير معاصر عن مطالبة الحركة السياسية في البحرين بسلطة تشريعية، عندما "اجتمعت فئات مختلفة من ابناء الشعب البحرين، ودعت الى تشكيل مجلس تأسيسي من بين المجتمعين تتولى تقديم المطالب التالية لحاكم البحرين: أ- تشكيل مجلس تشريعي للبلاد، ب- تشكيل قوة شرطة وطنية، ج- وضع حد للتدخل البريطاني في شؤون البحرين الداخلية". اللافت هنا، وكما تقول تلك المصادر، أنه "عندما أبدى حاكم البحرين الشيخ عيسى بن علي آل خليفة (1880-1923) ميلا الى التجاوب مع مطالب الحركة الوطنية قامت بريطانيا بعزله في مايو 1923، وتنصيب ابنه الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة (1923-1941) حاكما على البحرين، وقد رفضت مطالب الحركة الوطنية، وألغت نظام المحاكم الوطنية في البحرين، وشكلت محاكم مختلطة يشرف عليها الوكيل السياسي البريطاني في البحرين، وشددت الإشراف البريطاني المباشر على جميع الشؤون الداخلية البحرينية". ثم تجددت المطالبة بتشكيل مجلس تشريع في نهاية الثلاثينيات، وتحديدا في العام 1938، عندما رفعت الحركة السياسية البحريني التي "قادتها عناصر وطنية من طبقة التجار والطلاب وعمال النفط وكانت مطالبها متمثلة في اقامة مجلس تشريعي وجعل القضاء بأيدي المواطنين البحرينيين". هذا يجعل من مطلب السلطة التشريعية مطلبا إستراتيجيا، من الجريمة بمكان التفريط فيه. ومن ثم فهو مكسب صحيح حتى في مراحل عدم تلبية أداء أعضائه لتطلعات وطموحات المواطن في فترة زمنية معينة، وتحت ظروف غير مواتية. وعليه؛ فالتفريط في هذا المكسب الذي جاء بعد مراحل متلاحقة من نضالات شعب البحرين على طريق الديمقراطية، أمر لا ينبغي القبول به. لا يعني ذلك الصمت عن تقاعس النواب عن القيام بما وعدوا منتخبيهم بالقيام به، وليست هذه دعوة لخفض سقف المهمات الملقاة على عاتق المجلس النيابي كمؤسسة. لكن كل ذلك ينبغي أن يتم تحت من دعوة واحدة، ليس مسموحا التزحزح عنها، وهو بقاء المجلس كمؤسسة، واستمراره في القيام بوظائفه على النحو الأفضل كقناة تشريع أساسية.

2- أن خيبة أمل المواطن في نتائج الانتخابات، ووصول من لا يرى فيهم هذا المواطن فيهم الكفاءة المطلوبة، لا يتحملها المجلس كمؤسسة، بل تلقي بوزرها على المواطن الذي لم يمارس حقه الانتخابي على نحو صحيح. فهو لم يُوْصِل إلى قبة البرلمان من يستحقون أن يتبؤوا مقاعدها. ومن ثم فليس من حق أبناء هذا الجيل التفريط في مكاسب ضحت في سبيل تحقيقها أجيال متعاقبة، قدمت خلالها تضحيات جسام. ولهذا جاءت مخرجات عمليات التصويت، في تلك الفترات المتعاقبة، منسجمة مع مقاييس الاختيار، وانعكس ذلك على أداء الفائزين. فعندما تسيطر العلاقات الأسرية، او المصالح الفردية الضيقة، أو الفوائد الآنية القصيرة الأجل، على صناديق الاقتراع، وتزيح من أمامها المهمات الوطنية التي تخدم مصالح المواطن، وأهداف الوطن، من الخطأ توقع مجلس سيؤدي مهامه وفق المقاييس المثالية التي يحلم بها المواطن المسؤول، الصادق في سلوكه، الحي في ضميره، الحريص على إعطاء صوته للمترشح الأفضل، الذي يقود بدوره إلى مجلس منتخب أكثر رقيا، وأفضل أداء.

3- إن ارتفاع الأصوات غير الموضوعية، المنادية بضرورة إغلاق أبواب المجلس النيابي، تحت مبررات واهية في مقدمتها دعوات الاقتصاد في الإنفاق، والتوفير قدر المستطاع، مستغلين مرحلة اشتداد الأزمة الاقتصادية، التي يتوقع لها أن تستمر فترة أطول من سابقاتها، وفي ظل ظروف سلبية غير اعتيادية، تجعل من الصعوبة بمكان التكهن بموعد انقشاع غيومها السوداء المتلبدة في سماء البلاد الاقتصادي. إن الربط العشوائي غير العلمي، في معادلة نسبة وتناسب طردية بين اشتداد، وتفاقم الأزمة الاقتصادية من جهة، وحل المجلس التشريعي من جهة ثانية، حالة ينبغي وضع حد لها، واستئصال الاستنتاجات المترتبة عليها من جذورها. فطرق حل الأزمات الاقتصادية، لا تقود حتما، ولم يسبق لها أن قادت إلى إلغاء السلطات التشريعية. من المنطقي هنا، بل ربما من المطلوب أيضا، الدعوة إلى خفض النفقات، وإعادة النظر في المرتبات والمخصصات، دون أن يعني ذلك الوصول إلى إغلاق أبواب البرلمان. وفي هذا الصدد، وطالما تتعالى دعوات التقشف، ووقف التبذير، فمن غير الموضوعي أن نحصر المسألة في ردهات السلطة التشريعية، بل يجب أن يكون ذلك سياسة عامة، واستراتيجية شاملة.

كل ذلك يقودنا نحو استنتاج واحد وهو على المواطن التمييز بدقة متناهية، وموضوعية علمية بين المجلس التشريعي كمؤسسة لا يمكن إلغاؤها أو الاستغناء عن مخرجاتها، وبين نواب تم اختيارهم في ظروف استثنائية، ووفق مقاييس غير متوازنة. فبينما يكون الأول حالة ثابتة راسخة، لا يتعدى كون الثانية مرحلة عرضية مؤقتة، بل ربما تكون استثنائية أيضا تثبت صحة القاعدة التي تصر على بقاء المجلس التشريعي وعدم إلغائه.