علي بن مسعود المعشني
معمر القذافي لم يكن حاكما ولا رئيسا ولا زعيما ولا قائد ثورة محصورة في زمان ومكان بعينهما بل ظاهرة إنسانية وحالة سياسية وفكرية وثقافية عالمية عابرة للحدود والأجيال. ولا يُدرك هذه الحقيقة بلا شك إلا كل من تجرد من مظاهر وأعراض الحصار العقلي والصورة النمطية التي شكَّلها الغرب وأعوانه في أذهان الناس في إطار إستراتيجيته لتشويه معمر القذافي وتسفيه أفكاره ودعواته لضرورة وجود مشروع نهضوي للأمة العربية للخروج من دائرة التَّخلف ومواجهة الاستعمار الجديد والمتمثل في تكريس التبعية للغرب.
ومن سوء طالع معمر القذافي ظاهريًا ومن محاسن الصدف باطنيًا أنه تواجد في زمن مُحاربة الناصرية والسعي الحثيث للغرب وأعوانه لحصارها وتجفيفها وتسفيه شعاراتها الوحدوية والمواجهة للصلف الغربي والعربدة الصهيوأمريكية، فهو من ناحية واجه جيوشا جرارة من الأعداء والخصوم والمضللين الذين أعدوا العدة والعتاد للإجهاز على الناصرية ومحو كل أثر لها، ومن ناحية أخرى شكل القذافي حالة صمود ومقاومة فريدة وصلبة للدفاع عن الناصرية وأهدافها فشكل بذلك حالة منغصة ومنكدة وفاضحة ومذلة للغرب وأعوانه طيلة أكثر من أربعة عقود إلى أن تحقق لهم القضاء على القذافي ودولته في أكتوبر من عام 2011م.
حجم القذافي وحجم العداء له والحقد عليه وكراهيته تجسدت جميعها في كل تفاصيل حملة العدوان على ليبيا منذ فبراير 2011م ولغاية يومنا هذا، من حيث عدد وحجم وقوة من شاركوا في دمار ليبيا والتواطء المعيب لجامعة العرب لشرعنة تدمير بلد عربي وتمكين أعداء الأمة قاطبة من النيل منه وتسليم ليبيا بمقدراتها وشعبها لشرذمة من الأفاقين والمارقين ثأرًا لأنفسهم من معمر القذافي وإذلالًا للأمة العربية لما كان يعنيه القذافي لهم من تحد وكبرياء.
معمر القذافي فصل حزين في تاريخ الأمة المعاصر، فقد عاش الرجل في زمن عربي بلا منطق ولامفهوم للكرامة، وفي زمن يُسفه فيه العرب عروبتهم ويخجلون منها، ويتندرون على قوميتهم ويتطاولون على مصائرهم من وحدة وتضامن وتكامل ويتجاسرون على ثوابتهم بلاخوف ولاخجل.
لقد كان معمر القذافي كالنبي وسط قوم عُصاة وجاحدون ويعيشون على قارعة التاريخ بكل ارتياح، قوم يعتبرون كل ما يحمله القذافي ويدعو إليه من وحدة عربية أو تكامل عربي ومن تحد وكبرياء للاستعمار الجديد خرافة وأسطورة في زمن "نعم" والقضاء والقدر الأمريكي، وسمعنا وأطعنا، رغم تشدقهم في مجالسهم وخلواتهم بمقومات الأمة ومقدراتها وإدراكهم لوحدة مصيرها وعوامل قوتها ووحدتها فأرتضوا لأوطانهم أن تكون دول "سوبرماركت" ومستودع للبضائع الغربية فقط لاغير، وقدموا العلف على الشرف وأعتبروا ذلك من أعظم المنجزات لهم في تاريخهم الحديث.
ولد معمر القذافي عام 1942م، وحكم 42 عاماً بدءًا من الفاتح من سبتمبر 1969م، وحكم وعمره 27 عاماً أي ناتج عملية حسابية بخصم عام مولده من عام حكمه.
في رثاء العقيد:
بموت العقيد تفقد القمم العربية ملحها وفاكهتها، ويحن العنفوان العربي إلى رمحه وبيرقه وصهيل خيوله. وبخروجه من المشهد السياسي تبكي أفريقيا ملك ملوكها وممول ميزانياتها. وبانتهاء الحقبة القذافية يخسر العالم قامة فيها كل عفوية العرب وبراءتهم وجنونهم. فالقذافي مزيج من جاهلية العرب وغجر أوروبا ومهراجات آسيا ووثنية العالم القديم، وهو فصل حزين ومبهج وصاخب وساكن، وهو حالة إنسانية مضرجة بالشعر والفنتازيا.
وحين يطل القذافي بعباءة عمر المختار يندفع تاريخ جهادي مجلل بنزق الثوار، وحين توارى كان ضحية تصفية ثورية وقسمة ضيزى، الرجل يُغادر الخيمة وسنام الإبل ويلقي نظرته الأخيرة على ليبيا ونهرها العظيم وتراثها الوحدوي وكتابها الأخضر. ألا قرت أعين الجبناء" . (حمود بن سالم السيابي/كاتب وأديب من سلطنة عُمان)
*ومن أبيات قصيدة (ها أنت ذا ..) للشاعر محمد الفيتوري يقول للقذافي:
ها أنت ذا فوق صخر الموت تزدهر
تصحو وتصحو المرايا فيك والصور
ها أنت ذا تنفض الأجيال ثانية
فتستفيق الضحايا حيث تنتصر
ها أنت ذا أيها الآتي وقد سقط
الغيم القديم وجف العشب والشجر
كأنما جئت في كل العصور وقد
كنت النبوءة في أحلام من عبروا
وكنت في الشوق حيث الروح مثقلة
بالشوق والحلم في الأجفان ينتظر
ياحامل الوحدة الكبرى إلى أفق
رأياته النجمتان المجد والظفر
ويحسبونك شيئا مثلهم عرضًا
يمر بالكون حينًا ثم يندثر
إنّ المقادير تستثني الرجال وإن
تشابه البشر الأفذاذ والبشر
*ويقول الشاعر الموريتاني محمد يحيى بن النحوي في قصيدته "طيب التحايا":
إلى الرئيس الرضى القذافي طيبة
من التحايا بها فكري قد قذفا
سميت بالحاذق القذاف محمدة
معمر ولها المعنى الذي ألفا
قذفت في العرب أصل العز مكرمة
جاءت مطاوعة سماك فانقذفا
قذفت قاعدة الأمريك عن وطن
لله درك في الشأو الذي عُرفا
أتيتنا مرحبًا من عند إخوتنا
أهلًا وسهلًا بمن من حولكم وقفا
كأننا قطعة من أرض بلدتكم
فُصحى الكلام تراث السالف الخلفا
وبالشكر تدوم النعم