العظة التاريخية مفتاح للتعايش السلمي

علي بن كفيتان بيت سعيد

 

دأبت فئة من النَّاس على الاحتفاظ بالأوراق القديمة والمهملة، فتجدهم يُنقبون فيها عن قصاصة هنا أو هناك وفي الغالب هي أوراق ممسوحة من لهيب شمس النهار ورطوبة الليل وهذه الأوراق قد تكون شخصيات آدمية أو مواقف إنسانية يجب عليك التخلص منها كي لا تزاحم فكرك وتقلل من إنتاجيتك مثلها مثل الهواتف النقالة عندما تمتلئ ذاكرتها بالصور والأدعية والفيديوهات التي تنساب من مواقع التواصل الاجتماعي تشجب وتستنكر هذا التدفق غير المبرر فتجد هذه الآلة العجيبة ترفض الاستجابة لأيّ أمر جديد حتى تفرغ الذاكرة من الملفات غير الضرورية.

هذه المُقدمة تقودنا للحديث عن ثقافة الشعوب وقدرتها على تجديد أفكارها بمرور الزمن فلا يُمكننا اليوم أن نُعالج قضايانا بعقلية الأمس فهذا الأمس كان له من عايشوه بكل تجلياته آنذاك بينما توجد اليوم مُعطيات أخرى ومن المفترض أن يكون لدينا إمكانية التطور لفرض واقع يتماشى من حياتنا اليومية لا مع واقع الأمس الذي ذهب ولن يعود. فليس هناك متسع من الوقت لنبش الأوراق التي مسحها الزمن فمهما حاول البعض بعث الروح في هذا الجسم الميت فلن تتدفق الدماء في أطرافه مجدداً.

استوقفتني الكثير من الكلمات والجمل المُعبرة في محاضرة تاريخية لسعادة الدكتور عصام بن علي الرواس نائب رئيسة الهيئة العامة للصناعات الحرفية الأسبوع الماضي بمركز السلطان قابوس الثقافي بصلالة، فالرجل عليم بالتاريخ وعاصر الكثير من صفحاته سواء في أروقة المكتبات أو في حياته التي عاشها منذ طفولته المبكرة بمدينة صلالة وصولاً إلى محاضر ومن ثم عميد لكلية الآداب بجامعة السلطان قابوس وأنا هنا لا أمجد الرجل وإن فعلت فربما لشجون قديمة دارت في أروقة جامعة السلطان قابوس مطلع تسعينيات القرن الماضي، فقد سرد لنا الرجل ما يُمكن تسميته بالوعظ التاريخي أكثر منه محاضرة تاريخية جامدة مليئة بالأرقام والشخصيات فهو يدرك أنّ الحاضرين لن يرق لهم هذا النوع من الطرح ونتيجة لذلك استمرت المحاضرة والنقاش إلى ما بعد منتصف الليل بقليل.

من النقاط التي ذكرها الرجل عُمان التاريخية وعُمان الحالية التي وثقت حدودها منظمة الأمم المتحدة منذ بدايات القرن الماضي وترجمتها الرؤية السامية بتوقيع اتفاقات الحدود مع جميع الجيران ووصل في نهاية المطاف لاستنتاج يقول التاريخ جميل للعظة والتفكر، فقال: نحن العُمانيين أمة لم ترهبها البحار خضناها في الوقت الذي كانت هناك إمبراطوريات عظيمة تخاف الولوج في أسرارها ومغامراتها، وفي ذات الوقت كذلك نحن أمة آمنت بالرسول الكريم صلى الله وعليه وسلم دون حرب وفي هاتين المقاربتين إجابة لمن يسأل عن الشخصية العُمانية فهم أهل قوة وشكيمة محبون للمغامرة ولكنهم عقلانيون ومحبون للسلام أيضاً.

تناولت المحاضرة أن عُمان هي خليط من الدماء من مختلف بقاع الدنيا لأنهم أرباب حضارة ولم يكونوا منغلقين على أنفسهم مما ولد تنوعا دينيا منذ قديم الزمان وهنا يمكن القول بأنَّ عُمان تأتي بعد العراق من حيث التنوع الثقافي والإثني والديني وكاستنتاج فإنَّ هذا المجتمع محصن تاريخيا بمصل التعايش السلمي لأنه جرب شتى صنوف التناحر ولم يجد بديلاً أفضل عن النهج السلمي للعيش المشترك.

سال أحد الحضور عن غياب تاريخ ظفار الذي لا نجده إلا على ما تبقى من شواهد القبور وكانت الإجابة بأن تاريخ هذه المنطقة ضارب في جذور التاريخ وهناك الكثير من المهتمين بالبحث في هذا الجانب من أبناء المنطقة لكنهم لم يتجردوا بعد من الأهداف الشخصية إلى الأهداف العلمية فتجد النشاط والرغبة لكنها في النهاية محكومة بهدف ضيق لا يتعدى إثبات الذات وقال المحاضر في ختام مداخلته ربما نحن بحاجة لندوة تتناول تاريخ ظفار ولا شك أنّ الإسهام الحضاري لهذه المنطقة كبير وآثاره واضحة في سجل التاريخ البشري. 

...............................................................................................................................

نقطة نظام: شكرًا لسعادة أمين عام مركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم على حضوره المحاضرة وتبنية مثل هذه النشاطات الثقافية الراقية، والشكر لمن حضر تلك الأمسية التاريخية الجميلة ولفارسها سعادة الدكتور عصام بن علي الرواس.

alikafetan@gmail.com