نــــــــــزوة


د. محمد الدفراوي – مصر

سبق أن رأته في عدة مناسبات.. واعتادت رؤيته في الطريق فارغا؛ رغم أنه لم يكن لافتا، ولا جذابا، ولا متألقا في شيء مما يتألق فيه فتيان القرى! كما لم يكن استثنائيا في شيء لا مفتول العضلات، ولا أبيض البشرة ولا وسيم الطلعة كأبطال الحكايات؛ بل العكس كان دميما، قذرا، تعافه العين السوية. تخرج في كلية الزراعة وبرع في فنون عشق النساء.. أتقن فن الإغواء وأصوله وقواعده .. حذق اللسان يعرف جيدا متى يستخدم الكلمة المناسبة أوالبذيئة للوصول إلى مبتغاه بلا لفٍّ، أو دوران.
يعلن في كل جلسة كراهيته لأفلام الزمن الجميل وكلاسيكياته، لم تُرضه طريقة  محرم فؤاد في حبه للفاتنة سعاد حسني في فيلم (حسن ونعيمة)؛ فالنظرات، والتنهيدات، والتأوهات، و اللوعة والاشتياق مضيعة لأوقات المحبين..
فلِص في الحب أفضل من شريف في الكراهية..
الماكر  يتفلسف و يدعو للفلسفة؟!
يلخص فلسفته في الحب "ليس صعبا  إغواء أو إغراء امرأة أحبتك"
فقط كن عديم المرءة والنبل و مارس الحب علي مصراعيه..
حاز لقب "دون جوان" باقتدار من رفاقه.
هي وجدت فيه تعويضا عن بئر الحرمان من زوج لاه منصرف  لكنز المال ولا سواه ولا ريق فيه، و هي اللعوب.. كان غرامها بدافع الاحتياج؟!
قد شغفها حبا.
لا يوقف عطشها إلى النزق والصبوة أحد أو قيمة أو رادع.
فنداء النزق والشهوة يعمي و يصم.
فقدت إحساسها بكل حياتها حتي أولادها تعاملهم كأطفال الغرباء؟!
إذا أقبل الليل وانطفأت المصابيح وخلا الجميع لأنفسهم.. قفزت رغباتها المتوحشة من تحت جلدها رغبة إثر رغبة، تتحسس خريطة جسدها الفتان، تعيد اكتشافه بأنفاسها اللاهبة، لايستحق هذا الجسد إلا حبيبا  رمزًّ للعشق المقدس!
حائرة بين زوج غاف، ونافذة مكسورة !
لاشيء يخفف فورانها جسدها، لا الثوب المنضوض، ولا الهذر بزفرات حارة تشبه هلاوس المحموم..
ما أقسى ليل العاشقين!
إن لم تره يوما يعصف بها القلق حد السأم؟!
وحلَّ الإحباط محل الاشتياق.
فقد  كان ماكرا في حبه و يتقن الغزل بعبارات منمقة كما تحب النساء دائما..
صانع متاهات: فحيله في الحب لا تنتهي!.
وكعادة البدايات سرتها  كلماته الماكرة .
تبادلا أرقام الهواتف، الرسائل النصية بتوقيعات ( أ ) منه، و( ب ) منها.
وجدا في العالم الافتراضي متسعا وملاذا..
الإ مرات خلا بها في الزراعات المحيطة بالقرية سلمته حصونها، يدغدغ عواطفها غير آبهة بالعواقب والجرائر!
فطالما سألت نفسها بوقاحة: مامعني الشرف؟ ما قيمته إن كان صاحبه يحرقه الشرف  نفسه؟
فالشرف كلمة جوفاء بلامضمون... بحثت لنفسها عن مبرر يوافق ما تهوي.. تتفلسف وفلسفة رجل الشارع  توليد للمبررات في أي اتجاه!
وقعت فريسة  في فخاخ  الحب و لذاته... تراسلا صورا ومقاطع؟!
تخلت عن حيائها،  وحياء المرأة أعز ما تملكه النساء؛  حجاب يخفي وراءه نزق و نزوة!
حاولت التخلي عن حبها وحفظ ما تبقي لها من ماء الوجه في قرية لا تملك بين أهلها غير الكرامة.
لقد تورطت في عشقها حتي نهديها، و أنزلها من السماء إلي الوحل.
لم تفلح محاولات ثنيه عن حبها، ولا نزواتها عن حبه..
انجرفت وراء الشغف و الشغف في العشق لايقاوم!.
للذة مذاق لا تنساه الأعضاء.
فلذة العيش اختلاس كما قيل!
عاشت أسيرة حبه الأبدي إذن .
بلا ضامن يدفع عنها القلق والخوف علي هذا الحب الآثم، و يا للغرابة!
كانت له ولم يكن هو لها.... هذه الحقيقة!!
حدثت نفسها: لن يغفر لها أحد أثمها!
عصرتها مرارة غامضة أثقلت أيامها القاتمة حتى فقدت طعم الحياة.
فالحب أوله لذة وآخره حسرة وندم!
أيقنت مما حدثت به نفسها حين وجدت رسالة علي الهاتف باقتضاب:
"علينا أن نفترق فلا يليق بامرأة متزوجة ولها أبناء سوى الفضيلة"!!
رددت مع ابن زيدون الأندلسي:
(نفسي وإن عذبتها تهواكا... ويهزها شوق إلى لقياكا)
كيف تطيق العيش بعد هذا المارق  اللاهي!
راسلته تثنيه عن قراره فلم يجب!
لبس ثوب التقى، كلما شبت بقلبه نار الوجد أخمدها بالحجج والبراهين..
حارب عاطفته بنفسه.. وأعلن الحرب علي رذائله..
أما هي فلم تعد تسمع في الليل سوى طنين حقدها عليه، أو على حياتها التي حرمتها من لذة الحب والعشق؟!

 

تعليق عبر الفيس بوك