حمود الطوقي
تحدثنا كثيرًا في مقالات سابقة وفي مناقشاتنا عن أهميّة تحسين الخدمات الحكومية، خاصة في الجهات الخدمية؛ بغية تحقيق الرضا التام لدى المتعاملين.
أقول هذا وأنا أحاور صديقي الذي رجع للتو بصحبة ابنه الذي تفوق دراسيا، وتخرج في إحدى الجامعات الهولندية، ونال شهادة في مجال تقنية المعلومات؛ ليعود ليلتحق بالركب من أجل المساهمة في بناء الوطن.
يستدرك صديقي حديثة ليتحول صوته إلى نبرة حادة منتقدا التأخير من الجهات المسؤولة في إنهاء الإجراءات.
هنا قال لي: سافرت بمعيّة ابني لاستلام شهادته الجامعية من الجامعة التي تخرج منها في هولندا، ذهبنا إلى القسم المختص بالجامعة وطلبنا شهادة التخرّج فلم تتطلب الإجراءات سوى خمس دقائق حتى استلمنا الشهادة، وكان يتطلب منا تصديق الشهادة من جهات أخرى منها المحكمة ووزارة التعليم العالي الهولندية؛ وتحقق ذلك في نفس اليوم ولم يتطلب الأمر أكثر من خمس دقائق لكل من هذه الجهات.
يواصل صديقنا: عدنا إلى البلد وابني متسلح بسلاح العلم والمعرفة شاكرين الله على هذه النعمة العظيمة وفضل من الحكومة الرشيدة التي سهلت لأبنائنا الطلاب التحصيل العلمي بمختلف المراحل التعليمية.
يستطرد صاحبنا ساردا حكايته وقال: قدمنا فور وصولنا البلاد الشهادات لتصديقها من قبل وزارة التعليم العالي لتبدأ معاناة المراجعة المتكررة، واستمرت المعاناة لقرابة الشهرين إلى أن تخليت عن مبادئي وطلبت مساعدة من أحد الأصدقاء يعمل في نفس الوزارة بالمعنى المحلي "واسطة " لكي تنجز هذه المعاملة.
انتهت حكاية صديقي لأعود أتحدث عن لُب موضوع مقالي "خدمة المراجعين" فهذه الخدمة كما أعلم أصبحت واجبة ومفروضة لدى جميع الجهات الحكومية وأصبح كل مؤسسة لديها دائرة مختصة بخدمة المراجعين وهذه الدوائر لديها موظفين وموظفات لخدمة المواطنين والمراجعين على حد سواء، ولكن ما يصلنا من شكاوى دائما من قبل الجمهور أنّ معاناتهم مستمرة من أجل تكملة الإجراءات فهي مطولة رغم اكتمال الأوراق الثبوتية، فتتعالى الأصوات من قبل المواطنين عن أهمية تحسين الخدمة وأن يكون الموظف ذا كفاءة ويتمتع بقدر كبير من المهنية في تجويد العمل.
من أجل تحقيق هذه الأهداف اقترح على وزارة الخدمة المدنية إجراء مسابقة تشارك وتتسابق فيها الجهات الحكومية التي تقدم خدماتها للجمهور؛ حيث تمنح الجهات الحكومية التي تتميز بجودة خدماتها للجمهور كأس الوزارة، وتكون هذه الجائزة حافزًا للبقية حتى تصل كل الجهات الحكومية إلى مستوى رضا العملاء.
في اعتقادي هذا الأمر يجب أن يتم سريعا، ويجب انتقاء الموظفين الذين يعملون في هذه الدوائر من أجل خدمة المواطنين.
لا أعرف لماذا نتراجع في تحسين خدماتنا على الرغم من أنّ الوسائل الحديثة أصبحت أكثر ملاءمة؛ فطموحاتنا أن تصل خدماتنا إلى مستوى الأهداف المنشودة نحو تقديم خدمات بما يُسمى بالحكومة الإلكترونية.
لو رجعنا للوراء؛ فمنذ بداية عصر النهضة المباركة وهناك نموذج إداري في رسم منهج العلاقة بين الشعب والحاكم، جسده حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه - من خلال الجولات الميدانية والزيارات السنوية التي قام بها جلالته في مختلف أشكال الجغرافيا العمانية، وكان جلالته - رعاه الله - شديد الحرص على اصطحاب أصحاب المعالي الوزراء في جولاته تلك. حتى أصبحت هذه الجولات محل تقدير وإشادة على المستوى العربي والدولي ونعتت في الصحافة بالبرلمان المفتوح.
بالنظر إلى هذا السلوك، الذي يأتي من قمة هرم السلطة في سلطنتنا الحبيبة، وبالإمعان مليّاً في تفاصيله، سنجده درسا عمليا؛ قوامه ضرورة الاقتراب من المواطن الذي يعد محور التنمية الأساسي لكي يكون المسؤول واحدا منهم، سيعرف طريقة التفكير، وسينصت إلى الملاحظات، وسيعمل على تحقيق الممكن بحسب الظروف المواتية، من دون أن يعزل نفسه في مساحة علوية وأبواب مغلقة، وهذا الدرس لأصحاب المعالي الوزراء، وأصحاب السعادة الوكلاء والجميع ممن يعملون في المؤسسات الحكومية وغير الحكومية ومن يتسلمون ويتسلمن زمام العمل؛ لأنّ الجميع - بحسب إحدى مقولات جلالته حفظه الله في إحدى خطاباته السامية- : (خدم من أجل مصالح الشعب)، وهذه تفتح الشفافية، وهو السلوك المقرون بالوعي الإداري الذي ينبغي على الحكيم اتباعه.
فهل وصلنا بأفكارنا نحو الارتكاز على تجويد العمل وتطبيق التوجيهات السامية التي غرسها جلالته لكي نحسن خدماتنا. فقد ابتغينا الوظيفة الحكومية وهي أمانة في أعناقنا؛ فهل نحن - والخطاب موجه لشريحة الموظفين في الحكومة- على قدر تحمل المسؤولية، أم نتركها لمن هو أقدر على تحملها؟