رواية ‘‘نسيان. كم’’ لأحلام مستغانمي

فاطمة فحيل البوم ج – ليبيا

 

... إذا كان الحب هو الربيع، فالنسيان شتاء يُمطر مبشراً بربيع آخر..

عند دخولي للمكتبة، أذهب لذات الجهة المعتادة لأنتقي منها كتاب. أفتش في أحد رفوف الروايات الأدبية، لعلّ وعسى أعثر على كتاب أقرؤه، وكأنما يسرد جزءً من معالمي. ليقابلني كتاب للرائعة "أحلام مستغانمي".

يستهويني جداً هذا الاسم، لم أعد أفكر بعنوان الكتاب أو مضمونه، أو حتى السبب الذي جئت أنتقيه لأجله. فكل رواية للكاتبة يمكنني العيش فيها كحدث مرّ في حياتي، رغم عدم وجود هذا الحدث من الأساس.

تجد رواياتها طريقاً في دهاليز قلبي الذي من الصعب أن تعبره أي كلمات، لتنتشل فكري بكل سلاسة.

في "نسيان"، هذا المؤلف الذي تدافع فيه عن حقوق الأنثى الضحية، ضحية قلب ذكوري لا رجولي. وهي التي ضحّت من أجله بالمستحيل، ولم يستطع فعل الممكن لأجلها.

هذه الرواية التي حظرت منها (الرجال). حيث على جملة في واجهة الكتاب، يمنعهم منعاً باثاً من قراءتها، كحفظ الدواء بعيدا عن متناول الأطفال.

ورغم ذلك التحذير الذي خُتِم باللون الأحمر، في الصفحات الأولى، إلا أنها تُعيد تنبيههم في منتصف الرواية أيضاً، بكلمات تستهدفهم بها كمتسللين لمكان محظورون منه.

هذه الرواية وجدت إقبالاً كبيراً من الكثيرين، وكأن الكثير محتاج لوصفة نسيان.

تقول:

- (برغم ذلك، لا تفتحي قلبك (وهاتفك) فوراً لحب جديد، خذي الوقت الكافي لتأمل جثة ذلك الحب "الكبير" وهي تتحلل فيك وحولك. ستتألمين لكنك ستشفين بطريقة أفضل.

كل مساء تأملي مشهد غروب العواطف وقرص الحب وهو يغرق بحمرته الدامية في بحر أوجاعك.
ذلك أنها مثلما تغرق بداخلك ستشرق الشمس منك)..

- (لا تستعيني لحظة سقوطك في هاوية الفراق؛ بأول رجل يصادفك ويعير حزنك أذناً صاغية)..

تحث الكاتبة الفتاة أن لا تفتح منفذ لحب جديد، إلا بعد شفاء جذري منه، غير أن معظمهم في الواقع يعالج الخطأ بخطأ. فهم لا يشفون من حبهم الأول، إلا أنك تجدهم متعطشون لحب يليه، ظناً منهم بأن ذلك وصفة جيدة لعلاج لنسيان الحب الذي سكن قلوبهم، فبهذه الطريقة ستخسر الفتاة قلبها، وبالتالي خسرت نفسها.

تقول أحلام في روايتها:

- (إذا كان أوباما استطاع تغيير معجزة تغيير وضعه التاريخي من سليل عبد أفريقي، إلى رئيس يحكم أعظم دولة في العالم من بين مواطنيها من كانوا سادة أجداده. فأنت أيضاً تستطيعين التخلص من استعباد رجل لك ونسيان آثار قيده من معصمك، والانطلاق نحو إنجازات حياتك. فالحرية هي ألا تنتظري أحداً)..

تفتح لنا الكاتبة في هذا الجزء بوابة الأمل على مصرعيها، بأنه ليس من الصعب أبدا اقتلاع ذلك الوهم من قلوبنا، والبدء بحياة جديدة مشّعة بالأمل والانجازات.

تتكلم الكاتبة في الرواية عن صديقتها التي أسرها حب أربع سنوات ولم تتمكن من نسيانه، فلجأت إليها لعلّها تجد الحل القطعي وتركله في أقصى ذاكرتها أو خارجها حتى، لتخصّص لها الساعة ذاتها كل يوم والتي توافق ساعة اتصاله بها، ولتعطيها جرعة من النسيان.

تنهي الكاتبة الرواية في صفحاتها الأخيرة، بتعهد تطلب من صديقتها أن توقع أدناه، بعد فشلها ولمدة شهرين متتاليين إقناعها، وضياع كل جهودها سدى، وانغماسها في طيّات الحب مجدداً، بأن تحبه كما لا تحب امرأة، وأن تكون جاهزة لنسيانه كما ينسى الرجال. لترمي الكاتبة ورقة التعهد في حقيبتها وترحل، تاركة ورائها صديقتها بحب جديد يلوّن حياتها، وتنهمك هي في البحث عن شئ آخر تفعله في الساعة ذاتها، التي اعتادت أن تحاور فيها صديقتها التي أصبحت في غنى عنها.

أغلق أنا الرواية بعد ما طلبت هي من صديقتها التوقيع على ذلك التعهد وأن لا تلجأ إليها مجدداً لنسيان أحدهم ذات يوم. أما أنا طلبت توقيع تعهد من قلبي راجية منه أن لا ندخل في مثل تلك المتاهة التي تؤدي إلى المرض إذا كان الطرف الآخر لا يطبق لوائح وقوانين الحب بطريقة دقيقة صحيحة، فأقف عاجزة يوماً عن انسياقه للعلاج من ذلك المرض المزمن فأفقد قلبي.
متمنية لجميع القارئين التماثل للشفاء عاجلاً غير آجل.

تعليق عبر الفيس بوك