الرقص القاتل

 

 

"كيكي" في شوارع الخليج

 

أسمهان الهنائية

 

اقتباس واستيراد واسع يشهده مُجتمع القيم العربي حيث إنِّه بمجرد صدور منتج جديد تضج الأسواق العربية متلهفة إلى الحصول عليه حتى وإن كان لا يتناسب مع قيمنا وعاداتنا، وهو الأمر الذي يُظهر الإفلاس الفكري الذي تُعانيه مجتمعاتنا والذي به لم تتمكن من تمييز ما يتناسب ويتفق مع المنظومة القيمية التي يرتكز عليها المُجتمع.

في الوقت الذي يتفوق فيه الغرب في إنتاج الأفكار والبرامج، نتفوق نحن في تقليد إنتاجهم بل وبصورة أكثر تميزا في الأداء، والأمر يتضح جلياً في رقصة "كيكي" العالمية التي اجتاحت العالم وسجلت أرقامًا قياسية في تفاعل الجماهير وإقبالهم على القيام بتجربتها والتي تربعت على عرش الترندات في مواقع التواصل الاجتماعي، على الرغم من وجود رقصات أخرى سبقتها في الظهور ووصلت للعالمية لكن النصيب الأكبر من الشهرة كان لـ"كيكي" حيث إنَّ معظم من قاموا بتجربتها هم من المشاهير وهو الأمر الذي أكسبها شهرة واسعة وجعلها الأكثر تداولاً على مواقع التواصل الاجتماعي.

قيامك بالرقص على قدميك على أنغام الفنان الأمريكي "دريك" بعدما تترجل من السيارة وهي تسير ببطء وقيام سائقك بتوثيق تجربتك بهذا تكون قد اجتزت تحدي " كيكي"، ليتم تصنيفك بعدها واحدا من أبطال التحديات والمغامرات.

التفاعل العفوي مع "كيكي" سرعان ما جعلها تتربع على العرش لكن ما قامت به الجهات الأمنية في دول الخليج جعلها تتوارى عن الحكم كون أن الأمر مخل بالآداب العامة لما يتضمنه من مخاطر أودت بحياة البعض نتيجة تجاربهم الفاشلة في تنفيذ الرقصة.

أعلم جيدًا أن التحدي هو منهج لإثبات الوجود وتأكيد الذات، لكنه لا يعني أبدًا أن تقبل بكل ما يطلق عليه "تحدي" وتُقبل على تجربته وبمجرد إنجازه تكون قد عشت التحدي، لكنه يعني أن تلتزم بالانضباط وأن تنتمي للطبيعة ولذاتك الإنسانية وأن تجعل خطاك تسير على مسار الحياة الهادفة التي يتخللها الأمان الذي يضمن لك استمرارية وجودك وعيشك بكرامة ورفاهية، واعلموا أنَّ التحدي سلسلة، أولى حلقاتها ضبط النفس وإدارة الذات مرورا بتهذيب السلوك ووصولاً لمرحلة الرقي الجسدي والوجداني والعقلي، ليتم الانتقال بعدها إلى السلسلة الأخرى والتي تتضمن تطبيق ما تعلمه الإنسان في السلسلة التي تسبقها من خلال فهمه للواقع واتباعه للصواب في الفعل والممارسة.

مجتمعاتنا العربية والخليجية خاصة لن تعيش التحدي ما لم تكن قاعدتها قيم المجتمع ذاته التي تمثل الأحكام العقلية التي توجه رغباتنا وممارساتنا، كما لابد لنا ألا نقبل بقيم الغير التي تصطدم مع قيمنا الأصيلة حتى لا يكون هذا التصادم سببًا في موت قيمنا، علينا أن نتقبل الآخر بذكاء وأن نتبادل قيمنا وعاداتنا العربية الإسلامية فيما بيننا لنعزز وندعم شراكة الدين واللغة والتاريخ التي تجمعنا وتوحدنا تحت راية واحدة، ولنعلم أن التحدي علم وخلق وسلوك وممارسة قبل أن يكون تجربة ورفاهية.

شراكة الأفراد والمؤسسات داخل المُجتمع الواحد وانطلاقهم بنية الإصلاح هو من سيحمي المجتمع من العدوى الخارجية لأنَّ القانون لا يكفي إن لم يكن هناك تثقيف وتعزيز للقيم وتغذية للأساس الذي نبني عليه أمجادنا، لابد أن نكون أمة صلبة لا تقبل بالانصهار والذوبان لأنَّ حرارة الشمس حتماً ستؤدي للفيضان بعد انصهار الجليد.

كما أن تكرار العدوى على مجتمعاتنا لا يعني ضعفها ولكنه يفسر أن الإنتاج في الغرب مستمر وأن تقوية جهازنا المناعي ينبغي أيضًا أن يستمر حتى نكون قادرين على المواجهة والانتقاء وتوظيف كل ما نستقبله بما يتناسب مع طبيعة الحياة في مجتمعاتنا وبما يتفق ويتلاءم مع قيمنا وعاداتنا.

تعليق عبر الفيس بوك