بعيدا عن الاصطفاف

 

علي بن كفيتان بيت سعيد

 

أصبحت خياراتنا النابعة من ذات أنفسنا محدودة فالاصطفاف خلف الآخرين أصبح هو الصفة الطاغية في مُجتمع اليوم وإن لم تمارس التمترس خلف خيارات الآخرين فأنت كائن من كوكب آخر يصفونك بالبهيمية والانطواء وقد يصل بهم الأمر لإحضار طبيب لمنزلك لكي يُعالجك من فيروس عدم الاصطفاف خلف آرائه وأفكاره العبثية التي لا هدف لها سوى تمضية الوقت والاستمتاع بلذة جر الآخرين لصراعات وهمية لا وجود لها على أرض الواقع. 

يأتيك أحدهم مولولاً ومتشدقاً بالذات القبلية أو المناطقية.. إلخ ويصف لك أمجاده العظيمة قبل مئة عام التي لا تتعدى قتل شخص دون وجه حق أو نهب مال من لا يستطيع الدفاع عن نفسه ويصنع من ذلك إرثاً يعض عليه بالنواجذ. نعم تجده أمامك يرغي ويزبد وعندما تسأله ماذا حصل؟ يجيبك بأنّ الهيانة قد حلّت بنا ولا مجال للنقاش الآن وما عليك إلا أن تتسلح بكل أدواتك الحادة بما فيها أسنانك لتذهب خلف هذا الأحمق إلى ميدان القتال وهناك الكثير ممن ينساقون خلف هؤلاء ولا يدرون إلى أين مصيرهم فيجدون أنفسهم خلف القضبان أو في حجر التحقيق أو على أسرة المستشفيات عاجزين عن الحركة.

لقد تغيرت كل أشكال الحياة حولنا ولكننا لم نتغير فكرياً للأسف وهذا سبب تراجعنا فتارة ننسب تقصيرنا في المطالبة بحقنا إلى المناطقية فيقول البعض الأمور تُدار ضدنا ومنطقتنا منسية ولا بأس من إدخال المذهبية والعرقية وكل حجج الدنيا لنُبين أننا مظلومون وبأن الجهات المختصة مقصرة في حقنا في الوقت الذي نهدر فيه معظم وقتنا على مؤامرات الاصطفاف القبلي أو المناطقي. إن كمية الكلام في ساحات المقاهي في هذا السياق كثيرة ولذلك أصبحت القبائل عبارة عن فرق فنون شعبية تجدهم يتسكعون من مناسبة إلى أخرى مقابل مقاطع فيديو يتم تبادلها في مواقع التواصل الاجتماعي للتباهي والفخر فقط لا غير.

إنَّ مرض الاصطفاف هذا ولد مجتمعاً منساقًا لأفكار لا تخدم الوطن في كثير من الأحيان بسبب زراعة الضغينة بين الناس وتصنيف المجتمع وفق أسس تجاوزها الزمن ولكن الكثير من الحمقى والمفلسين لا زالوا يمتطونها بينما يأتي الآخرون كالأنعام ويصطفون خلفهم رغم عدم اقتناعهم بما يقدم عليه هؤلاء، هنا يجب على الإنسان أن يقدر ضرورات المرحلة التي نعيشها اليوم والنظر بعين الواقعية لمجريات الأمور فيقول لما يراه غير صحيح هذا خطأ ويمتلك الشجاعة ليكون محايداً على أقل تقدير.

إن المجال اليوم متاح للتوافق أكثر من الاصطفاف بعد أن جربنا النتائج ولا شك أنّ دولة المؤسسات لا تتيح الكثير من المناورة لمن لا زالت لديهم أحلام اليقظة بالعودة إلى الخلف ومن المؤكد أنَّ الدولة لن تتساهل في ما تم تحقيقه من نقلات نوعية على المستوى المجتمعي لذلك ننصح بأن يوفر كل ذلك الجهد العكسي ويوجه إلى الأمام بدلا من التوجه للخلف فعلى سبيل المثال لا بد من تشجيع قيم التعليم والرقي المجتمعي والتوجه للاستثمار في المجالات التقنية من قبل الشباب وتعميق ثقافة حب العمل مهما كان مستوى ذلك العمل وبناء روح التوافق بين الأطياف كافة لما فيه مصلحة الوطن.

من واقع النظرة المجردة نجد أن عُمان الوطن الآمن المطمئن ليس فيه مكان للاصطفاف، صحيح أن كل واحد منا يحب أن يرى محافظته ومنطقته بل وقريته تحظى بكل الخدمات التي تقدمها الدولة لكن لا يجب أن يكون ذلك على حساب أشياء أخرى أهم، ونقول لمن يحفز الروح القبلية أو العرقية أو المناطقية بألا جدوى من هذه الوسيلة الخائبة كخيبة أصحابها فالمطالبة بخدمات التنمية متاحة عبر الجهات المعنية والدولة قادرة على الإيفاء بكل مطلب حقيقي يستند للواقع المعاش للإنسان بعيدًا عن البكائيات والتشبث بروح الثائر القادم من الماضي فتلك مراحل قد ولَّت واليوم واقع آخر يكتب من جديد ويجب عليكم استيعابه.    

...............................................................................................................................

نقطة نظام: نقول لمن يوجد لديهم أوقات فراغ شاسعة وينعمون بالأمان والطمأنينة يجب عليكم أن تستغلوا ذلك لخير الناس والوطن لا لحياكة الدسائس والفتن وبث روح الهزيمة في المجتمع.

alikafetan@gmail.com