الإعلام العربي والخلافات البينية

عبد الرزاق بن علي

في أتون ما يشهده النظام الرسمي العربي من تجاذبات، وخلافات خفية، وظاهرة تبلغ أحيانا حد الحروب المعلنة، توجه أصابع الاتهام إلى الإعلام العربي للدور الذي يقوم به في تأجيج الصراعات والفتن في الوطن العربي.

وتتضاعف خطورة تأثير الإعلام في هذا الظرف لتعدد المنابر الإعلامية، وانتشارها السريع ويسر بلوغ رسائلها للمتقبل العربي بظهور ثورة الاتصالات وبروز الفضائيات، والصحف الإلكترونية فضلاً عن وسائل التواصل الاجتماعي.

وتعج أغلب هذه المنابر الإعلامية بالعويل والصراخ من أجل دعم هذه الجهة أو تلك بكل الأساليب المتاحة من إبهار وإثارة وخديعة. كما إن مسلمات الأمة وثوابتها أصبحت محل جدل ونقاش من أجل إيجاد رأي ورأي مُخالف يطعن في هذه المسلمات ويكبر، كما تكبر كرة الثلج بسقوطها في المنحدر السحيق. ولا يخفى على أحد تعدد الأبواق الناعقة من أجل إشاعة الفتن المذهبية ومحاولات الاختراق لثقافة التعايش والتسامح التي شهدتها المنطقة العربية طوال أغلب حقب تاريخها. ورواج خطاب التكفير والتشدد في كثير من منابرنا ومنصاتنا الإعلامية.

ونكاد نفتقد في إعلامنا العربي الخطاب الذي يتناول القضايا بموضوعية ومهنية ويترفع عن الإسفاف والابتذال والاتهامات المجانية وزرع الأحقاد لأسباب معلومة منها أن الإعلام العربي كان ولا يزال في أغلبه تابعًا للسلطة السياسية التي تموله. ولأن نظامنا الرسمي العربي تتقاذفه الخلافات والفتن فقد انجر الإعلام إلى ساحة الصراع والمواجهة وتخلى بذلك عن دوره الإيجابي في معالجة القضايا بالأسلوب الإيجابي القويم والمسؤول.

ولأن الإعلام من أشرف المهن وأخطرها وأشدها تأثيرا ومسؤولية أيضاً فإنَّ الإعلاميين العرب مطالبون بالانحياز إلى المصلحة العليا للأمة والترفع عن سوء إدارة الأزمات التي تنشأ بين الفينة والأخرى في وطننا العربي وتجنب السقوط في زرع بذور الفتنة بين الإخوة الأشقاء. فالاختلاف أمر طبيعي يحدث غالباً بين الجميع وفي مطلق الأحوال ولا يتعدى حدوده المقبولة إلا إذا وجدت جهة تعمل من أجل تضخيمه وإبرازه والتحشيد له بين النخب فضلاً عن العامة.

ولأن الإعلام يبقيك مزروعاً في الأرض حسب العبارة الشهيرة "لري برادبيري" فإن المطلوب أن نبحث عن جذور تنبت كل القيم الجميلة في أرض العرب بدل إشاعة التشرذم والانقسام والتمكين للتطرف والتعصب وتقويض الثوابت والمُسلمات.

ولأنَّ منطقتنا العربية تحتاج للتغيير الإيجابي في كافة مناحي الحياة فإن "توم ستوبارد"بقوله "مازلت مؤمنا أنك إذا أردت تغيير العالم فالصحافة سلاح فوري سريع" قد أدرك أهمية الدور الذي تنجزه الصحافة والإعلام عموماً في هذا التغيير المنشود.

ففي كل بقاع الأرض تمثل الصحافة والإعلام السلطة الرابعة التي تتجاوز في أهميتها وتأثيرها ومسؤوليتها كثيرا من السلطات. ولم يخطئ "أوسكار وايلد"حين قال "في أمريكا يحكم الرئيس أربع سنوات بينما تحكم الصحافة إلى الأبد".

وهو اعتراف بالدور الحقيقي للصحافة والإعلام في مجتمعاتنا الحديثة.. وبعيدا عن الوعظ والإرشاد فإنّ الحكم الحقيقي هو تحكيم روح المسؤولية والموضوعية في التعاطي مع الشأن العام من أجل إعلام نزيه عقلاني ومهني وحرفي. ينسجم مع قواعد الانتماء للأوطان والأمة. وينحاز لقضاياها. ويُعالج أمراضها. وينقد مظاهرها السلبية بما يقتضيه الميثاق والشرف الإعلامي من قواعد.

لسنا نطالب بأن يحذو إعلامنا العربي نهج الإعلام العالمي في التعاطي مع الأحداث. فمجتمعنا العربي له خصوصيته التي وجب علينا احترامها .ولكن وجب الاستفادة من بعض التجارب العالمية التي لم تتناقض في عملها مع ثقافة الشعوب ومعاييرها الأخلاقية وأعرافها.

ويبقى لوضع الصحافة والإعلام عموماً أهمية بالغة لكونه مؤشراً دالا على مدى تطور مجتمعنا كما أنه يعكس كل تناقضاته. ومن أجل ذلك وجب منحه الاهتمام المطلوب. والجهد اللازم لتطويره وتقويمه وتجاوز عثراته فلم يعد هناك متسع من الوقت لأمتنا بعد ما حدث ويحدث في دوائرنا الرسمية وفي منابرنا.

تعليق عبر الفيس بوك