الشيخ محمود شلتوت .. رائد التقريب بين المذاهب

 

 

د. يحيى أبو زكريا

 

 

في لحظة الانهيارات الكبرى، وفي مرحلة الفرقة والتشتث والتقاتل والتذابح والصراع على كل شيء حتى على البديهيات والمسلمات.. وفي زمن فقهاء الفتنة والذبح ودكدكة مبدأ الإجماع العربي والإسلامي، ما أحوجنا إلى إعادة قراءة حياة العلماء الربانيين الذين آمنوا بالوحدة الإسلامية وسخروا كل مكنتهم ومكانتهم العلمية والفكرية من أجل توحيد الأمة الإسلامية ...ومن هؤلاء الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق الذي كان من رواد التقريب بين المذاهب الإسلامية .. فشلتوت كان من الدّاعين إلى ضرورة إعمال العقل وبعث العقلانية الإسلامية وفتح باب الاجتهاد والتّجديد بل كان يعمل على تأسيس مكتب علميّ مهمّته الأساسيّة تنقية الموروث الإسلامي والكتب الدّينيّة من اللغط والفوضى الفكرية والبدع والأفكار الضّالة والشّبهات في الدائرة الإسلامية نفسها .

ولأن للتجديد والعقلانية والفكر الحر ضريبة، فقد تحامل على الشيخ محمود شلتوت بعض كبار علماء الأزهر الشريف ونجحوا في طرده من الأزهر قبل أن يُعيده قرار للرئيس جمال عبد الناصر إلى حاضرة الأزهر شيخًا له ...لم يكن الشيخ شلتوت مجرد فقيه وضع عشرات المؤلفات القيمة التي شكلت قيمة مضافة ومضيفة للفكر الإسلامي، ومنها :

فقه القرآن والسنة، مقارنة المذاهب، القرآن والقتال وهو من أهم الكتب التي تصلح في الرد على جماعات الذبح والنحر وقطع الرقاب من الوريد إلى الوريد، ويسألونك وهي مجموعة فتاوى، حكم الشريعة في استبدال النقد بالهدي، القرآن والمرأة، هذا هو الإسلام، عنصر الخلود في الإسلام، الإسلام والتكافل الاجتماعي، الإسلام عقيدة وشريعة، الإسلام والوجود الدولي، المسؤوليّات المدنيّة والجنائيّة في الشّريعة الإسلاميّة، تعدّد الزّوجات في الإسلام ....

كان شلتوت واحدًا من صناديد التقريب وتلاقي المذاهب الإسلامية، وكان دائما يقول :

"إنَّ دعوة التّقريب هي دعوة التّوحيد والوحدة، هي دعوة الإسلام والسّلام، إنَّ فكرة الحريّة المذهبيّة الصّحيحة على نهج الإسلام، والّتي كان عليها الأئمة الأعلام في تاريخنا الفقهيّ، كانوا يترفَّعون عن العصبية الضيقة" عندما أصدر فتوى تاريخية تجيز للمسلم التعبد فقهياً بمذهب أهل البيت عليهم السلام، وإقراره بالمذهب الجعفري احتج عليه بعض الراغبين في بقاء العالم الإسلامي ممزقاً، قال قولته المشهورة :

"آمنت بفكرة التّقريب كمنهج قويم منذ أول يوم في جماعتها، وفي وجوه نشاط دارها بأمور كثيرة ثم تهيأ لي بعد ذلك، وقد عهد اليّ بمنصب مشيخة الأزهر أن أصدرت فتوى في جواز التعبد على المذاهب الإسلامية الثابتة الأصول المعروفة المصادر، المتبعة لسبيل المؤمنين، ومنها مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية… وقرت بهذه الفتوى عيون المؤمنين المخلصين الذين لا هدف لهم إلا الحق والألفة ومصلحة الأمة، وظلت تتوارد الأسئلة والمشاورات والمجادلات في شأنها وأنا مؤمن بصحتها ثابت على فكرتها في الحين بعد الحين، فيما أبعث به من رسائل للمتوضحين، أو أردّ به على شبه المعترضين، وفيما أنشئ من مقال ينشر أو حديث يذاع أو بيان أدعو به إلى الوحدة والتماسك والاتفاق حول أصول الإسلام ونسيان الضغائن والأحقاد....

 

الدكتور يحيى أبو زكريا

yahyabouzakaria@gmail.com