عائض الأحمد
صَديقي المشتكي، حسبُك من الألم ما يعتريك، ويُقلق مضجعك، يكفيك مر الشكوى، وسوء الحال، وتقلب المزاج.
لا يُمكن أن يستمر الإنسان بطبعه وطبيعته المعتادة، دون أن يمر ببعض "المطبات الهوائية"، السلوك البشري يقول ذلك, وتؤكده العديد من الدراسات. هناك فترة معينة من عُمر الإنسان يمرُّ فيها بتلك التغيرات سواء كان رجلا أو امرأة، وعلى وجه الخصوص المتزوجون بعد الخمسين من العمر، عندما يفاجِئ أحدهما الآخر وبدون مقدمات ببعض التصرفات التى لم يعتدها، وتشير الدراسة إلى أنَّ النساء أكثر من الرجال رغبة وميلا؛ لذلك تظل المقولة الخالدة: "لم أرى معك يوما حلوا في حياتي".
ومن المؤشرات أن تتهرب المرأه من مسؤولياتها وطلبات زوجها وأسرتها، وتردد أريد أن أعيش حياتي، وكأنها تريد أن تعيد الزمان إلى أيام الصبا، وتنسى كل ما حولها، بل وتتجاهل زوجها، وتحاول إجباره على جديدها الذي لم يعهده منها خلال الخمسين عاما الماضية، وهو غير مصدق ما يرى، ولسان حاله يقول: "كان مستخبي دا كله فين".
وهنا، تظهر الخلافات بين الزوجين، وقد تصل بهم إلى الفراق بعد كل هذا العمر. أما الرجل، فيعتقد فجأة أن حياته لم تعد ملكا له، وعليه أن يجرب حياة أخرى؛ فيتحول إلى شاب يريد الانطلاق وحيدا دون التزامات العائلة، ويحاول التحرر من كل ارتباط، ويتجاهل أسرته بحثا عن متعة وقتية زائلة، وكأنه مراهق تتجاذبه الآراء ويسيِّره الأصحاب والزملاء دون الالتفات لمنزله وعائلته، متناسيا كل سنين العشرة، وكأن شيئا لم يكن "قول للزمان ارجع يا زمان".
هذه إحدى مفارقات الخمسين، وربما تكون آخرها، إن تم تجاوزها بعقلانية أحد الطرفين وتغليب المصلحة العامة على نزوة أحدهما الطائشة غير المتوقعة، في سن لم يعد للمغامرات فيها مكان؛ فلا الزمان زمانهم، ولا المكان مكانهم.
بعد كل هذا، لا تجد غرابة فيما يحدث للخمسينيين من شطحات متأخرة، وإنما أحسن التعامل معها: فقد تكون وقتية تنتهي بمجرد إهمال التفكير فيها مع الترقب والحذر ومسايرة الوضع حتى يمر بسلام، وتعود أيها الرجل صبورا كما عهدتك الحياة وتقلباتها، كان الله في عونك يا محب الأنثى، فليس لك غير حبها مهما غدر بك الزمان وجارت عليك النساء، وأنتِ يا نصفنا الآخر، لذة الحياة وجمالها لن يكتملا بغيرك، أَوَ بعد عمرٍ ترحلي؟
يقال ربما تصم الآذان، ولكن القلوب ستبقى مفتوحة بيضاء ناصعة تسر الناظرين، ثق بي يا صديقي سيصفو لك الغيم يوما.
------------------------------
ومضة:
إن استطعت العيش بدون المرأة، فأنت بالتأكيد تعيش عالما آخر.
