الفتنة النائمة أمام بوابات المذهبية

 

مسعود الحمداني

إذا أردتَ أن تهلك بلدا فازرع في أرضه المذهبية، ثم فرّق بين المواطنين على أساسها، حينها سيسهل عليك بتر المجتمع، وخنقه، ثم اجتثاثه من منبته، هذا ما حدث في العراق، وفي سوريا، وفي أفغانستان، وفي باكستان، وفي دول خليجية قريبة، وحتى في إيرلندا المسيحية (البروستانت والكاثوليك)، فكل مجتمع يقوم على أساس ديني ومذهبي وطائفي إنما هو مجتمع هش، قابل للكسر في أي لحظة.

في السلطنة ـ ولله الحمد ـ لا توجد هذه الهشاشة، وهذه الإشكالية، رغم تعدد المذاهب، لأنَّ المجتمع تغافل عن (المذهبية)، ولم يلتفت لها، وكفلت التشريعات والقوانين العقوبة الرادعة لمن يقوم بالترويج لها، أو إثارتها، وهذا في حد ذاته أضحى جدارا منيعاً للمجتمع عن إثارة النعرات الطائفية والمذهبية، ولكن...هل نحن بمأمن عمّن يحاول زعزعة الأمن والاستقرار الوطني من خلال إثارة العصبيات المذهبية؟..وهل سددنا أبواب الفتنة من كل الاتجاهات؟..وهل نحن قادرون على الصمود للأبد؟..

في كثير من الأوقات تلقي السلطات الأمنية لدينا القبض على مروجي الفتن، ومثيري القلاقل من دول مختلفة تحاول أن تجد لها مدخلاً عبر المذهبية، وتأليب هذه العقدة في نفوس العامة، وقد وجدت في بعض النفوس الجاهلة والضعيفة مجيبا لدعواتهم، وإن كانت تلك الدعوات يتم وأدها في مهدها، ولكن محاولات الاختراق مستمرة..ولن تكفي القوانين والتشريعات الحالية لصد هذه الموجات، وستبقى الفتنة نائمة، تنتظر من يوقظها، ولهؤلاء الموسوسين طرقهم الخبيثة في الدخول إلى أذهان البعض، فهم يستثمرون الثغرات، ويفسرون الأمور حسب وجهة النظر التي تخدم أغراضهم الدنيئة، ولعل إحدى تلك الثغرات تكمن في الكتب الدراسية (الدينية) ـ على سبيل المثال ـ حيث تقتصر الرسوم في تلك الكتب على طريقة وحيدة للصلاة مثلا، وهو ما يُثير حفيظة (المتمذهبين)، وفي هذا الجانب يجب على واضعي هذه الرسوم أن يضعوا في أذهانهم رسم جميع طرق الصلاة (من إسبال أو قبض) في الصف الواحد، مما يعطي انطباعاً ذهنيًا لدى الطالب على قوة الرابطة الوطنية وانتفاء المذهبية، ويسد على المتربصين هذه الثغرة.

كما يجد هؤلاء المغرضين في الجوامع التي يقوم ببنائها ديوان البلاط السلطاني باسم صاحب الجلالة مدخلا آخر (للوسوسة) وذلك من خلال تعيين الجهة المختصة أئمة معظم هذه الجوامع من مذهب واحد حتى في الولايات ذات الأغلبية التي تنتمي إلى مذاهب أخرى، ولذلك يجب على الجهة التي تشرف على هذه الجوامع الانتباه لهذا الأمر، وأن تغلّب نظرتها الوطنية على نظرتها الحالية، وعليها أن تُعيد سياسة التعيين في هذه الجوامع التي لا يجب أن تنتمي لمذهب دون آخر، لأنها شُيدت بأوامر من صاحب الجلالة ـ حفظه الله ـ (والذي يجمع بين مذهبين في جهة والده ووالدته رحمهما الله) وهو وليّ أمر الجميع، ولا يفرّق بين أبنائه ولا شك.

أطرح هذا الموضوع الحسّاس والمسكوت عنه، رغم علمي بأنَّ الكثيرين لا يودون إثارته إعلامياً، ولكن علينا أن نناقش قضايانا دون تشنج، وبمبدأ الشفافية التي دعا إليها صاحب الجلالة ـ حفظه الله ـ في خطاباته السامية، وليقيني بأنَّ المجتمع الصلب الشجاع عليه أن يواجه مشاكله بواقعية وقبل وقوعها، ولا ينتظر لحظة الكارثة، وعليه ألا يدس رأسه في التراب لكي لا يرى مخاوفه، وليقيني بأن الوطن أكبر من أي مذهب أو عصبية، ولأن الصراعات المذهبية ما إن دخلت في مجتمع إلا أفسدته، وما إن عشعشت في أذهان المتشددين في أي بلد إلا أغلقت أبواب الحرية على غيرهم، وهؤلاء لا ينطلقون من بُعد نظر، ولكنهم ينطلقون من خلفية تقصر رؤيتها على الغلبة والمكاسب الفردية والجماعية لأفرادها، ولخوفها على مصالحها الذاتية التي تنطلق من أرضية ضيقة، ولنا في دول قريبة وبعيدة شاهدا ومثالا.. ولا يُمكن أن تتقدم دولة نحو المستقبل دون هدم بعض المعتقدات الطائفية والعرقية والمذهبية المتوارثة، ولا يمكن لأي مجتمع أن يسير بخطى ثابتة نحو الأمام وهو مثقل الخطى بتركة ضخمة من الآراء التي تقصي أطرافٌ فيها بقية الأطراف، وهي أمور لا تحدث في وطننا العماني في هذا الزمن الآمن المطمئن، ولكن يبقى الحذر واجبا وطنيا، خشية أن يستغل ضعاف النفوس والمتشددين ـ من كل المذاهب ـ نقاط الضعف في منظومة الأفكار الدينية التقليدية، ويبنون عليها إستراتيجياتهم وأفكارهم الهدامة.

ويبقى أن نتذكر دائماً أن (الدين لله، والوطن الجميع)، وحفظ الله بلادنا من كل متربّص وحاقد.

 

Samawat2004@live.com