محمد بن رضا اللواتي
في أيام عيد الفطر السعيد، انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي تغريدات على لسان بعض مسؤولي الحكومة الأمريكية الكُبار، يشيرون إلى أن السلطنة ينبغي أن تكون القادمة، خليجيا، على لائحة العقوبات التي تود الولايات المتحدة إيقاعها، وذلك لتسريبها السلاح إلى اليمن، وعلاقاتها المتميزة مع إيران!
وبالمقابل، فإنّ ردة فعل المغردين العمانيين وتفاعلهم مع هذه التغريدات كان غاية في الوطنية والحماس، وكانت تُعبر فعلا عن روح تتفق تماما مع توجهات البلاد الخارجية، التي تشجب الاصطفاف في طوابير شن الحروب بالوكالة، وتدعو إلى علاقات حُسن الجوار مع الجيران، ومد يد السلام والتعاون مع جميع بلدان العالم. محصلة ردودهم كان فحواها: لن نغير من قناعاتنا السياسية وليفعلوا ما يشاؤون!
ولكن لم يمنع هذا التأييد للموقف السياسي العُماني جماعة من المثقفين بأن يسترجعوا ذكريات مقال كان قد كتبه الزميل "زاهر المحروقي" في سياق "الأزمة القطرية"، نشرته له جريدة "الرؤية" الغراء بعنوان "إذا حلق جارك.. بل رأسك"، أثار فيه موضوعا وطنيا غاية في الأهمية، فلقد تحدث عن مرور أربعة عقود دون استغلال فعلي للموارد الطبيعية للسلطنة خصوصا الموقع الجغرافي المميز، وعدم استغلال الفرص التي أتيحت، حتى آل الأمر إلى أن تصبح بعض دول الجوار العاصمة الاقتصادية للعمانيين!
وفي إطار استرجاع مضامين ذلك المقال، تحدث أولئك المثقفون عما قد يقع فيما إذا أوقعت الولايات المتحدة ما شاع عن نواياها تجاه السلطنة – إن صح ما أُشيع عنها – فسوف يعاني البلد على مختلف المستويات بما فيها مستوى شرب حتى المياه التي تأتي أغلبها من دول الجوار!
مهما كانت هذه الشائعات مغرضة ولا قيمة لها، إلا أنّه لا ينبغي أن يغيب عنا، بأننا نعاصر أسوأ مراحل التوحش والانتهاك العلني لحقوق الإنسان من قبل القوى الكُبرى، وها هي الولايات المتحدة تُعلن إنساحبها الرسمي من مجلس حقوق الإنسان مُتهمة إيّاه "بالشرير" لمحاولته التحقيق في جرائم "إسرائيل" في حق الفلسطينيين. فبالنسبة لهم كأنّ زمن إبقاء من لا يسايرهم بتأييد خططهم وتأمين مصالحهم على حالهم يوشك أن يكون قد ولّى.
ولنرجع إلى ما أثاره المقال السابق ذكره، وأحاديث المهتمين في ذات السياق، لنجدها تتعلق في أغلبها بموضوع "الأمن الغذائي"، ومدى جاهزيتنا للوقوف على أقدامنا فيما إذا أُغلقت الأبواب، رغم أنّ الوقوف على الأقدام في مجال حيوي كهذا لا ينبغي أن ينتظر وقوع أزمات.
ليس من شك أنّ الجهود مقدرة جدا، تلك التي تبذلها الهيئة العامة للمخازن والاحتياطي الغذائي لتوفير السلع الأساسية، والتي لا تسمح الظروف الموضوعية بانتاجها محليا مما يستهلكه البلد كالأرز والسكر والطحين والقمح، وما تمارسه من رصد لأسعار تلك السلع عالميا، والجهود التي تبذلها وزارة الزراعة والثروة السمكية في تحقيق الاكتفاء الذاتي على مستوى بعض المحاصيل، كما حققته في مجال الأسماك.
كل هذه الجهود مقدرة للغاية إلا أنّ ما يهم المواطن هو عدم تأخر هذه المشاريع الحيوية والمتعلقة بتطوير البُنى التحتية للاكتفاء الذاتي على مستوى الضروريات؛ كثيرا.
حاليا، تتبنى الشركة العمانية للاستثمار الغذائي القابضة مشاريع ضخمة لتحقيق معدلات متقدمة من الاكتفاء على مستوى توفير اللحوم الحمراء والألبان وغيرها. هذه المشاريع يتمنى المواطن لو أنها لم تكن قد تأخرت كل هذا الوقت، كما ويرجو لمثيلاتها ألا تنتظر موسم هبوب العواصف لإقامتها.
إنّ "التأخر" من سمات الإنجازات على أرضنا بشكل لافت للغاية، وترجع أسبابه إلى عدة نقاط لعل أبرزها: "غياب نظام قياس الأداء والتقييم وما يترتب عليه من محاسبة صارمة" والذي لا يستثني أحدًا أبدا، و"انشغال الإعلام المحلي كثيرا في تمجيد ما تحقق، وإهمال السؤال عمّا لم يتحقق، مما كان من المفروض أن يتحقق، ولماذا تأخر كل هذا الوقت؟ هذا إن كان واردا أساسًا في الاستراتيجيات المكتوبة للنهوض بعجلة التنمية في البلد".
يعتقد البعض أنّ الإعلام المحلي لا يلعب دوره في تقييم حركة التنمية في البلد بما يتسق مع الطموحات المنطقية – وليست الرومانسية - التي تفرضها المعطيات الحقيقية، فلقد ترك ذلك لمجموعة من مقالات بعض المثقفين، بينما نجده وقد انشغل أكثر من اللازم في مديح ما تحقق. لا ضير في ذلك بتاتا ما دامت العين على المستقبل غير غائبة؛ ذلك لأنّ الماضي ينبغي أن يكون أرضية لتحقيق المستقبل لا أن ينفصل عن حركة التاريخ التي تدعو إلى استمرار المنجزات بما تقتضيه معطيات الواقع، وإلا فإنّ تلك الحركة -أعني حركة التاريخ- قد تفرض وضعا لعلّ أدوات تغييره لا تكون متاحة حينها، وهذا هو الهم الذي يُثير أحاديث المثقفين اليوم.
إننا جزما في حاجة إلى نظام "مراقبة الأداء وتقييم العمل"، المسؤول الأبرز عن مكافحة البيروقراطية والمحاباة على حساب الكفاءات، ولأنّه غائب بالمرة إلى يومنا هذا ولا ندري إلى متى سيستمر غيابه؛ يبقى الإعلام الوطني هو الأمل في لفت الانتباه والتحذير من مغبة تأخر الإنجازات المحلية الضرورية أو غيابها، بفرضه لسؤال "لماذا؟" و"متى؟" هذا قبل أن تتمكن وسائل التواصل الاجتماعي من الاستقلال التام بهذا الدور الحيوي؛ وحينها لن يبقى له من عمله إلا الصوري فقط.
يود المواطن أن ترى مشاريع تحقيق الاكتفاء الذاتي على مستوى المهم من السلع النور سريعا، فلعلّ أطفال عمان وإن بعد سنين يشربون حليبا عمانيا، ولبنا ظفاريا، ويفطرون في شهر الصيام على تمور نخيل بلدهم، ويلبسون ما استوردوه مما نزل في موانئهم لا في موانئ من يتهافتون على إرثه التاريخي ليسلبوه، ويجدون المشاريع السياحية وفيرة في بلدهم بحيث تؤهلها إلى المنافسة على لقب أفضل بلد للسياحة العائلية في الشرق، لا أن يحزموا حقائبهم في كل إجازة - وإن كانت لمدى يومين- هروبًا إلى حيث تجد العائلات متنفسًا ترفيهيا حقيقيًا لها.
لنسأل بجد ونطالب بالجواب: أليس هذا مُتاح تحقيقه؟
فلماذا إذن لا يتحقق؟!