اللغة ... هُوية وطن!


أحمد عمر عطا الله - ناقد وباحث أكاديمي – مصر

يبدو أنه من الأهمية بمكان بسط مجموعة من المشاهد التي نعتقد أنها تمهد السبيل نحو موضوعنا الراهن، لتستقيم الأمور في نصاب الحديث عن حماية لغة الضاد وتخومها:
المشهد الأول:
يتمثل في اليوم العالمي للغة العربية الفائت حين ظهر فيديو لمتحدث الجيش الصهيوني الرسمي مهنئًا! وفي الآن ذاته شارحًا قضية لغوية؛ هي: كيفية التفريق بين الهاء والتاء المربوطة، موضحًا ذلك بجملة: (إسرائيل هي منارة المنطقة التي تقف في وجه الإرهاب وتصده!)
ثم يسدل الستار...
ليأتي المشهد الثاني:
من الفيلم المصري (الأيدي الناعمة) يزعم أحد أبطاله حصوله على درجة الدكتوراه في [حتى]، ويكرر جملته الشهيرة ممثلا لتلك الدرجة العلمية: (أكلت السمكة حتى ذيلها)، فيسخر أحد الفنانين بقوله: (والدكتوراه بتاعتك دي مقلية ولا مشوية!!).
ثم يسدل الستار...
نسمع بعدها ضوضاء شديدة ثم نشم رائحة صدوفًا، ونميز بعض ضحكات ساخرة، تنم عن كوميديا سوداء!
وعلى الرغم من الألم الذي قد يعتصر الإنسان العربي من رمزية المشهد الأخير وعرضه للعوام من أجل السخرية؛ فإن جراحه قد لا تندمل بسهولة حين يعلم أن بعض أهل الاختصاص يعترضون على المدافع عن لغة دينه وقومه بمزاعم واهية؛ ولنضرب على ذلك مثالا؛ وهو ما انبلج من اعتراضات إزاء مقال الدكتورة: سعيدة خاطر الموسوم ب: أين المواطنة يا مواطن؟ في جزئه الثاني بصحيفة الشبيبة، ولست أتغيا الولوج إلى قضايا شائكة؛ كالمواطنة أو تقسيم الناس حسب حدود ترابية وتحزبات قبلية، بل إلى أمر خطير يتماشج وأصل حديثنا الراهن وهو اللغة العربية المهيضة الجناح في بلادنا، فمن آكد الأمور وأبده الحقائق في عالمنا، أن الإنسان هو الذي يمنح لغته قوة الانتشار والتغلغل لا العكس، مثال ذلك تاريخيًّا سيرورة العربية لغة أولى بالعالم مع الفتوحات الإسلامية ثم الإنجليزية للسبب ذاته.
ولست أدري: لـمَ لـمْ يعترض هؤلاء على لغات ولهجات لا تنتمي للغة القرآن الكريم؟! وما المشكلة أن تغار تلك الأديبة على لغة قومها؟ وماذا يبقى لنا إذا نحن تركناها وارتكنا إلى الهندية  أو الأوردو أو... إلخ، وأين هم من داء الأمية التي وصلت نسبتها حسب المصادر المختصة إلى ثمان وعشرين بالمئة (28%) من إجمالي عدد سكان الوطن العربي؛ أي نحو مئة مليون عربي.
قمين بنا أن نعيد ترتيب أوراقنا؛ فحصوننا مهددة من الداخل لا من العامة فحسب بل من بعض المثقين الذين ينأون عن أس الصراع وكنهه، بل يحاول تضميد الجراح على ما بها من قذر، فلا مناص من إرادة وعزيمة شريطة أن تكون معززة بخطاطات مستقبلية استشرافية، تندغم بوعي مجتمعي مؤيد، تتجاوز النظرات الاستاتيكية الجامدة للسان العربي، وتتغيا تلك الإرادة إصلاحًا لا يرتجف أمام أساطين التشويه والتغريب.

 

تعليق عبر الفيس بوك