علي بن كفيتان بيت سعيد
ما أجمل أن تُعطي في سبيل الله لإنقاذ روح بشرية تقطعت بها السبل ولم تجد طريقاً للعلاج، نعم هي من أجمل وأصدق اللحظات في إنسانيتنا عندما ينتابك هذا الشعور الطاغي الذي يحملك عاليا كالملاك إلى أعلى السماوات؛ من لم يجرب هذه النشوة الآدمية تجاه الآخر فهو لم يجرب معنى أن تعطي بصمت؛ لتعيد الابتسامة وتعود الحياة لبيت بسيط يعاني حياة الكفاف كادت أن تنطفئ شمعته فأتيت أنت تحمل ريالاتك؛ ومهما يكن المبلغ ورغم كل التزاماتك لتعيد دأب الحياة وتزرع الأمل بعون الله وتوفيقه إلى أب أو أم أو طفل مريض، كاد أن يغادر الدنيا بسبب الفقر والعوز؛ لا يهم إن كان من أبناء وطننا أو من وطن آخر الأهم أنّه أنسان فحسب.
تشرفت الأسبوع الماضي عبر أخ وصديق كريم بالاهتداء إلى رجال ونساء من ظفار الخير والعطاء لا يبحثون عن المكاسب الدنيوية؛ بل يتاجرون مع الله من بوابة المرض الذي أعيا الكثيرين، وحرمهم من الاستمتاع بحياتهم الطبيعية عبر التبرع لعلاجهم، والاعتناء بهم حتى عودتهم إلى بيوتهم وأوطانهم، ما أجمل اللحظات إخواني عندما نعود لإنسانيتنا الفطرية المحبة للخير وكم هي اللحظات استثنائية عندما ترى بعينك إنساناً كاد أن يطويه الزمن يعود مجدداً ليدب على أسرته الفقيرة بفضل من الله ثمّ أصحاب الأيادي البيضاء.
يعمل فريق الأيادي البيضاء بظفار تحت مظلة الجمعية العُمانية للأعمال الخيرية ووصل عدد أعضائه إلى حوالي 2000 شخص من أصحاب الخير رجالا ونساءً يهبون بما لديهم قل أو كثر لإنقاذ الأرواح عبر تمويل علاج إخوة لنا من اليمن ومن جنسيات أخرى تقطعت بهم السبل، ولم تسعفهم الأقدار للذهاب بعيدًا لإنقاذ أنفسهم فساق الله لهم تلك الأرواح الرحيمة الخيرة لتعمل ليل نهار عبر استثارة الهمم والنخوة الإنسانية، التي لم تخبُ يوماً فيهبون كعادتهم إلى أبواب العطاء وبعون الله وتوفيقه تمّ علاج ما يزيد على 40 حالة وشفاؤها وعودتها إلى أوطانها.
هنا جذوة الخير لا زالت متقدة في نفوس رحيمة معطاءة تعطي من أجل بعث الأمل وإرضاء الله عز وجل. قد لا تتخيلون أيّها القراء اللحظات التي يعود فيها رجل خمسيني أتى على نقالة فاقد الوعي تماماً عبر الحدود ومن ثم تلقفته الأيادي البيضاء وتكفلت بمصاريف إجراء عملية قلب مفتوحة له في مسقط رجع الرجل إلى صلالة باحثاً عنهم فلم يجدهم كونهم لا يبحثون المجد والشهرة بل يتاجرون مع الله. غادر صاحبنا يمشى على قدميه منفذ صرفيت عائدا إلى وطنه اليمن السعيد وحاملا بداخله جميلا لشعب كامل. هكذا هم أهل عُمان دوماً يزرعون المعروف أينما حلوا ابتغاء وجه الله فتثمر عطاياهم مودة ورحمة.
من اللافت وصول عدد النساء المشاركات في هذا العمل التطوعي إلى 700 من الخيرات فحسب بعض الروايات هناك منهن من تبرعن بما يملكن، وأخريات اقتطعن من مواشيهن وقفا لهذا العمل، والبعض وضع مبلغا شهريا بسيطا في حساب فريق الأيادي البيضاء كصدقة جارية، ونعم الأمهات والأخوات والزوجات التي لا يمنعهن شيء عن فعل الخير إنّها ثقافة من نوع خاص ولها طعم نادر لا يعلمها إلا من جربها إنّها ثقافة العطاء ولذة الرحمة بين الناس.
يشرف على هذه الكوكبة المباركة رجل خير وسيدة فاضلة من أسر عرفت بالورع واشتهرت بالعطاء وأعضاؤها شيوخ وتجار وأكاديميون ومن عامة الناس.. هذه هي ظفار التي نعرفها بوابة لكل خير دائماً. وبتعاظم العطاء تمّ مؤخراً علاج بعض الحالات لأسر عُمانية مُعسرة. وهناك آمال وطموحات كبيرة يخطط لها الفريق مثل إنشاء مركز لتشخيص وعلاج أمراض الكبد في صلالة بعد أن أصبحت عمليات زراعة الكبد ممكنة ولا ينقص مثل هذه المبادرات إلا الدعم السخي لكل من أراد الخير لنفسه ولمجتمعه فهذا هو العطاء الذي لا ينضب والذي يعبر عن سلامة المجتمع وديمومته وتماسكه.
استحضرتني في نهاية هذا المقال قصة لسيدة من ريف ظفار كانت تعطي مما عندها قل أو كثر في أيام القحط فسألتها أخرى لماذا تعطين القليل فأجابتها إن كان الذي أعطيته في بطنه شيء أشبعته وإن كان على مشارف الهلاك أنقذته وقالت: (من لا يعطي من قليل لا يعطي من كثير).
.........................................................................................
ملاحظة:
من أراد الانضمام لهذا العمل الخيري فعليه التواصل مع الدكتور سالم بن محمد الجحفلي على هاتف (99819333)