عام على الأزمة الخليجية

عبد الله العليان

في محاضرة الباحث الأكاديمي العماني الدكتور عبد الله بن صالح باعبود، والتي حملت عنوان "مجلس التعاون في ظل الأزمات والتحولات الإقليمية"، وأقيمت بمكتبة دار الكتاب بصلالة، يوم السبت المنصرم والتي لاقت حضوراً كبيراً من الأكاديميين والباحثين والمهتمين، ومن تجليات الصدف أن تقام المحاضرة، مع مرور عام على الأزمة الخليجية، وما تبعها من قرارات الحصار على دولة قطر وما تبعها من شروط إلخ: والحقيقة أن المحاضر ركّز في محاضرته على قضية آثار هذه الأزمة على مستقبل مجلس التعاون نفسه، كمنظمة إقليمية مهمة في هذه المنطقة، وما إذا كان هذا المجلس سيعود مرة أخرى كما كان عليه الأمر قبل الأزمة، كمؤسسة إقليمية مهمة في الساحة الإقليمية والدولية؟ وهل تصبح هذه المؤسسة كما في الماضي بين هذه الدول؟ والحقيقة أن المحاضر كان متشائماً جداً من تلك العودة لهذا المجلس كما كان، من خلال استقراء واقع ما جرى بين هذه الدول، مع أن التوقع أن شعوب المنطقة ترغب في بقاء هذا المجلس كمنظمة تعاونية، تجمع هذه الدول، على الرغم من محدودية أثرها في حياة هذه الشعوب منذ تأسيسها.

والحقيقة المؤلمة أنَّ ما جرى بين هذه الدول في هذا الشهر من العام المنصرم، كانت صدمة مُفاجئة على كل المستويات، وآثاره السلبية كانت على كل هذه الدول، ناهيك عن أثرها في الشرخ الاجتماعي بين شعوب هذه الدول، والتي يجمعها الكثير من الوشائج والقرابة الكبيرة منذ قرون، وكأنَّ ما جرى بين بعض دول هذه المنطقة، وبين دول أخرى من خارجها، وهذا ما جعل الشرخ مؤثراً وكبيراً في النفوس هذه الشعوب، يصعب كثيراً إرجاعه كما كان عليه الأمر قبل الحصار، صحيح إن الخلافات تحدث بين الدول، وربما يسحب السفراء، وربما تقطع العلاقات، لكن أن تصل تلك الخلافات إلى القطيعة التامة، بل وأن تصل إلى مستوى الأسر والعائلات، فالأمر لم يعد عادياً في قضية الخلاف في الرؤى والأفكار.

والغريب أن دول المجلس لها علاقات واتفاقيات مع دول وهيئات ومؤسسات في أوروبا وآسيا وغيرها، تمثل ثقلاً مهماً لهذا المجلس ودوله في الجانب الاقتصادي والسياسي، وهذه بلا شك تشكل ضعفاً استراتيجياً واقتصادياً وسياسياً  لكل دول مجلس التعاون، ولا يعطيها تلك الأهمية الكبيرة بعد هذه الأزمة، إذا أحس هذا الطرف الآخر، أن هذه الاتفاقيات مع هذه المنظمة لا يعتمد عليها ولا تستقر الاتفاقات والقوانين المعقودة، بل إن الأدوار التي اعتادت أن تقوم بها هذه المؤسسة الخليجية، قد تتراجع مع انتهاء دور مجلس التعاون، وهي المنظمة العربية الوحيدة التي بقيت لأكثر من ثلاثة عقود دون هزات وخلافات بالمقارنة بمؤسسات عربية أخرى، وكادت أن تستوفي كل القرارات والأفكار التي أجّلت إلى حيز التنفيذ  في السنوات القليلة القادمة، وهذا الخلاف أفشل كل ما تمَّ، وما سيتم، إن لم يتدارك الجميع مخاطر انهيار هذه المؤسسة الإقليمية، وهذا الاحتمال ليس بعيدًا، فلا يوجد ثمة بوادر قوية تتجه إلى هذه الزاوية الإيجابية لإعادة الروح لهذه المؤسسة في المنظور القريب.

فالبعض يلمح إلى أنَّ هذه الأزمة، ليست بعيدة عن التدخلات الخارجية، سواء بالتشجيع أو الإيعاز، وهذا ما يراه البعض من خلال ما نشر عن سياسات وضعت من عقود، لتأزيم سياسات الدول، وخلخلة الأوضاع، لإحداث الشرخ السياسي في بنية الدول، وهذا ليس مستبعداً، بهدف تنفيذ سياسات ما عرف(بالفوضى الخلاقة)،  مع أن عبارة (الخلاقة)، لا تستقيم أخلاقياً مع الفوضى، والهدف منها تحقيق مصالح سياسية أو اقتصادية، أو فكرية، ويرى البعض أنَّ هذه الدول الكبرى، لها سياسات موضوعة، من عقود طويلة، لكنها لا تستطيع أن تنفذ أي سياسة ترغب في تحقيقها، إلا إذا وجدت ما هو متاحا ومستجابا، ويلبي لها أهدافها المطلوبة دون توترات، ودون عقبات ومن خلال دراسات وأسس تكون مستوفية الظروف الداعمة لهذه الأهداف، وربما قد تضحي بمصالحها لمصالح إستراتيجية ترى لها الأولوية مستقبلا، لكن البعض يرى أن ما جرى لا يمكن أن ننسبه للخارج أو المؤامرة الدولية، فالأزمة هي من بنات أفكارنا وإخراجنا كاملة، وليس صنع المؤامرات، لكن الخارج إذا رأى مصالحه تتوافق مع أي أزمة، ربما يؤيد تلك الخطوات، ويمكن أن يتراجع عن ذلك، حسب الظروف والتحولات،  والإشكالية أن أسباب الخلافات التي تجري بين دولنا، ترجع إلى الخلاف السياسي الذي لا يُشكل خطراً على دولها، وهذه الخلافات السياسية أدت إلى صراعات وحروب عانت الأمة العربية منها الكثير، حيث تبددت ثرواتها وطاقاتها، وجعلتها تتراجع عن الصدارة في جوانب كثيرة، بينما دول أخرى ليس لها تلك الإمكانيات والقدرات المادية والإستراتيجية، حققت قفزات كبيرة علمياً وتكنولوجياً، وأصبحت محط اهتمام العالم واحترامه.

وقبل سنوات من الأزمة الأخيرة، كان الحديث عن الاتحاد الخليجي، ليحل محل مسمّى مجلس التعاون، وكان الحماس كبيراً وقوياً، ولكنه كان وليد اللحظة الآنية حماسياً، ولم يكن مدروساً من خلال رؤى متكاملة تستجيب لمتطلبات المرحلة، وفي 2014 جاءت أزمة سحب السفراء من دولة قطر من الدول الثلاث، وحصل تدخل للحل من بعض هذه الدول المنطوية بالمجلس، وحلت الأزمة، وفي العام المنصرم حدث ما يشبه الزلازل في علاقات هذه الدول، والسؤال المنطقي والعقلاني، لماذا يتم الحديث عن اتحاد خليجي، وخلافاتنا تصل إلى هذه المستويات؟  ولماذا لا يتم حل الخلافات وفق آليات وقوانين هذا المجلس نفسه؟ لماذا التضحية بهذا المجلس، بعدما قطع شوطاً كبيراً ومهماً عزز هذه المؤسسة، وكانت ستشكل قوة اقتصادية كبيرة في ظل التكتلات الاقتصادية في عالم اليوم؟

الحقيقة أن الأمر محّير ويبعث على القلق لمستقبل منطقتنا، لأن الخلافات بين الأمة الواحدة، أو الأسرة الواحدة، تحًرك الكثير من النوازع السياسية الخارجية، فأمن الخليج أمام تحدي حقيقي، وهذه الصراعات الداخلية بينهما لن تحقق لدوله استقراراً في ظل الاستقطاب العالمي، ورؤيته المعروفة عن هذه المنطقة، وهي لا تخفى على المتابع الحصيف.. فهل تعي النخب السياسية تلك المخاطر؟ هذا سؤال يبحث عن إجابة واضحة ومستوعبة لكل الظروف المحيطة.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.