"الحياة الافتراضية" تهدد بتدمير الأسرة.. والمستخدمون "أسرى" للهواتف النقالة

مسقط- أحمد الجرداني

قال مُنذر بن عبدالله بن سعيد السيفي الواعظ بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية أنَّ أهمَّ سلبيات وسائل التواصل الاجتماعي تتمثَّل في الإدمان عليها؛ فالناس في عصرنا هذا أصبحُوا أشبَه بالأسرى لهواتفهم النقالة ولأجهزتهم الحديثة؛ بحيث أصبَح من غير المُمكن الخروج بدونها من المنزل؛ فاعتمادهم الكُلي والأخير على هذه الوسائل.

من السَّلبيات كذلك أن وسائل الاتصال أدَّت لضعف التواصل والحياة الاجتماعية بين الناس، بدلاً من تقويتها؛ فأصبح كل شخص مشغولًا بحياته الافتراضية، بدلاً من مُحاولته تقوية الأواصر الاجتماعية، وفي الغالب عند اجتماع العائلة كل واحد مشغول بهاتفه، بدلاً من أن يشتغل بأهله والجماعة الذين يجلس معهم فأصبحت الحياة لا قيمة لها، والجلسات الجماعية لا فائدة من ورائها، والله المستعان.

كذلك فإنَّ وسائل الاتصال قرَّبت الناس من بعضهم بشكل كبير، وأصبح من غير المُمكن المحافظة على السرية والخصوصية؛ مما قد يَسْمَح للمجرمين والمسيئين وأصحاب الأمراض النفسية من الاقتراب من الشخص وإنهائه وابتزازه في الحياه الواقعة.

أمَّا عن كَيفية استفادة الأبناء من هذه الرسائل، فعلى أولياء الأمور أنْ يُبينوا السلبيات والإيجابيات من هذه الوسائل، وعدم استخدامها لفترات طويلة جدًّا، حتى لا يؤدي ذلك إلى انعزالهم أو ضعف تحصيلهم، وعلى أولياء الأمور الاطلاع على المواقع التي يتصفَّحها ابناؤهم وإشعارهم بهذا حتى لا تسول لهم أنفسهم شرا؛ مع مراعاة إعطاء مساحة من الحرية والثقة للطفل في استخدام وسائل التواصل وإرشادهم إلى أنَّ المكوث لفترات طويلة أمام وسائل التواصل قد يؤثر على صحة وسيكولوجية الطفل الذي يجلس أمامها لفترات طويلة، وعدم مسح الأطفال كلمة السر الخاصة بالإنترنت؛ وذلك بهدف منعهم من استخدام الشبكة في أوقات لا تستطيع الأسر مراقبتهم، كما أنَّ على أولياء الأمور أن يكُونوا قريبين من أبنائهم أثناء استخدام شبكة التواصل والإنترنت.

ويجب مَنْع الأطفال من المشاركة في المجموعات خَوفاً عليهم من تعلُّم الأفكار الهدامة أو استغلالهم استغلالاً غير أخلاقي، ومن المهم أن تكون هناك رقابة صارمة، شرط ألا تصل هذه المراقبة إلى الضرر النفسي بالطفل ومتابعة سلوكيات الابن أو الابنه عن بُعد، وهل يُوجد لديهم تغيُّر أم لا يوجد، وهذه الرقابة مهمة؛ حيث تحمي الأطفال والأبناء من مواقع التواصل الاجتماعي وأولياء الأمور، مطالبين بأن يغرسوا الرقابة الذاتية لدى أولادهم، وإشعارهم بأن الله مُطَّلع عليهم، ويعلم ما تُكنه أنفسهم، وأنه يسجل كل ما يفعلونه، وأنه سائلهم عنها يوم القيامة: "فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره".

ويُضيف السيفي بأنَّ الإسلام يملك قابلية النماء والتطور ويرفض الجمود والتراجع، وهذا المنهج سلكه أسلافنا في عصر التقدم والنهضة شجاعة فائقة وذكاء مُتوقد، فتراهم تصدروا الدور في إثراء الفكر الاسلامي السامي عن طريق الاجتهاد، والتجديد أصبح ضرورة وفريضة مُلحَّة في هذا العصر لكثرة التحديات التي تواجهها الأمة في ظل العولمة والمتغيرات الحديثة لتحافظ على هويتها، وتُسهم في بناء الحضارة والشريعة الإسلامية تمتلك من عوامل المرونة مما يجعل أحكامها تُساير كل مُستجدات العصر، وتستوعب كل قضايا الإنسان في مختلف الأزمنة والأمكنة؛ لذلك دعا الإسلام إلى الاجتهاد في استنباط الأحكام المناسبة اعتماداً على القواعد العامة التي قرَّرها وقدر الثواب الجزيل لهذا العمل الجليل، ولعل من أهم الضوابط عدم التشبُّه بالكافرين ولُزوم مغايرتهم فيما هو من خصائص؛ إذ إنَّ الشخصية الإسلامية مختلفة تماماً عن الشخصية غير المسلمة، واجتناب عاداتهم وأديانهم، والحذر من التبعية المضيعة لهم، وليس كل ما يأخذه المسلم من الغربيين الذين لا يدينون بالإسلام يعدُّ من التقليد، والاحتذاء ينحصر في عدة أمور؛ منها: الفنون والصنائع المفيدة، وهذا ربما يصل طلب التقليد فيه إلى الوجوب الشرعي؛ وذلك كالفنون التي تتعلَّق بالقوى الحربية والصحة الجسدية وسائر ما لا يستغنى عنه العمران، ولا وصول إليها أولاً إلا بالتقليد والاقتباس. كذلك يُمكن الاحتذاء بما لا نفع فيه ولا ضرر منه، والأولى تركه وإن كان مُباحاً، وإن لم يكُن بُد من فعله فينبغي أن يُلاحظ التشبه بهم، ولا يُتوخى احتذاؤهم فيه.

ويتابع: على الأمة كُلها -أفراداً ومجتمعات- واجبات عظيمة من أعظمها القيام بفعل أسباب استقلاليتها واستغنائها عن غيرها، ولا شك أن لدينا إرثًا حضاريًّا وثقافيًّا عظيمًا توافرت النصوص على وُضُوحه واستقراره وعلو شأنه، والتاريخ شاهدٌ على أن للأمة موروثاً وأصولاً قوية في بناء أمة مستقلة قوية قائده لا مقوده تعتمد على نفسها، وتحافظ على أصولها، وعلى المسلم عبر هذه الوسائل أن يُوصِل نورَ الله تعالى للعالمين بسرعة مذهلة، ولأقطار الدنيا البعيدة كل ذلك دون تعقيدات، ولا جهد أو تكلف وعلى أصحاب العقول أن ينأوا ولا يكونوا عالةً على الأمم الأخرى، والجهات المسؤولة مُطالبة بأن تشجع وتخلق الجو المناسب للإبداع والاختراع، وتبارك كل ما فيه مصلحة الإسلام والأمة والشعوب والمجتمعات.. "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون"، "إن الله لا يضيع عمل عامل من ذكراً أوأنثى".

مختتمًا بقوله: أَنْصَح نفسي وجميع الشباب والفتيات ووسائل الإعلام بتقوى الله تعالى ومراقبته، والخوف من أليم عقابه، وأن يأخذوا بهذه التوجهات والنصائح، وهي أن يستشعر مستخدمو وسائل التواصل شكر النعمة، وأن لا يستعينوا بها على معصية الله -عزَّ وجل- فمن شُكر الله أن تنشر الفوائد في هذه المواقع والكلمة الطيبة وعدم الإساءة إلى الآخرين أو التعدي على شرفهم وأعراضهم؛ فمن أحسن استغلال النعمة رزقه الله البركة وحصل على الخير الكثير.

وأتمنَّى من الجميع القادرين على استخدام الإنترنت ووسائل التواصل أن يحرصوا على عدة أمور تعينهم على الاستخدام الأمثل؛ منها: تحديد الهدف الذي يريده من دخوله إلى الإنترنت، وتنمية الرقابة الذاتية القائمة على مخافة الله عزَّ وجلَّ، وعدم المكوث وحيداً في مكان مُغلق، بل اجعل الجهاز في مكان الجلوس في البيت ومواجهه الباب، حتى لا يكون للشيطان طريقاً للوسواس وفعل المعصية، كذلك لا ينبغي التساهل في الدخول إلى غرف الشات أو المواقع الإباحية، ويجب الانتباه من فتح رسائل البريد الإلكتروني مجهولة المصدر. وإذا قدر الله وابتلي أي أحد بالدخول إلى المواقع الإباحية أو نحو ذلك، فانتبه أن تكون مدعاة للشر وإذا كتب أحد الأشخاص ما يسيء إلى الآخرين، خصوصاً العلماء والدعاة والصالحين أنْ لا يشارك في صفحته ونصحه أن يقول حسنا، وأن لا يشاركه في الفساد، أو القيل والقال، حتى لا يكون مشاركاً في المعصية. وكذلك أنصح الشباب والفتيات وجميع فئات المجتمع أن يستغلوا شبكات ووسائل التواصل الاستغلال الأمثل، وأنْ يكونوا أصحاب بناء ولا يكُونوا معاول هدم، وأن يكتبوا كل ما فيه فائدة ومنفعة للأمة، وأن يبتعدوا عن الفتن وتأجيجها؛ فالفتنة نائمة لعن الله من أيقظها، وأن يجعلوا مُرَاقبه الله -عزَّ وجلَّ- نصب أعينهم، ويحسبوا لكل ما يكتبونه ألف حساب.

تعليق عبر الفيس بوك