قبل الموت


محسن البلاسي – مصر


المبتدأ:
هل نخاف أن نعي أن صوت المنفى هو ما يخرج من أفواهنا؟
وأننا مسلوخون من  جلودنا
ونلبسنا
وأن لا جسد ملموس لأصواتنا
مدقوق فينا الخرس .

الخبر:
أن اللغة تاريخ للصمم

الأمر:
قل يا  أيها المسلسلون في رقابكم، لا أكتب ما تكتبون
سأكسر نهر الكلمات
وأتسلق بعيدا عن صمغ موسيقاكم، الجلادة
وأركض في  ميادين الصمت المشيد داخل لغتكم، المغروسة في حلوكة الاغتراب
وألقي بزجاجات المولتوف على مدرعات النحو، نحوكم
 
النعت:
حيث الشطط شمس المعاني
أنا المفعول به
سأنحت للنار حنجرة وأذن
تهبها مزيدا من ليونة حارقة
أعيدوا تركيب اللغة لتشبه في الملمس، ماء نشوة الثائرات
في البدء كان المشاع فكانت اللغة حية
منذ الكلمة الأولى كان التبدد
ثم  كان الخوف شجرة عاقر
تشرنقون  الحروف بالحروف
سطرا وسطرا
تنثرون حشرات ضريرة على مذبح الفراغ
أتركوا اللغة المصلوبة لتجف
أو انسوها برهة حتى منتهى القصيدة

يا تجاعيد التخاطب
يا بكم يا مطلوق اللسان
يا بدء
يا ذوبان  تشويش الحواس
سأكتب بلغة جديدة
بلا رغبة نحو شئ
 
(كانت يهدم الأجساد وترحل
مت هي ساحة وسيعة
هؤلاء حي
في بطونهم أنا   

 هواء منقوع  لا أحمر
 هو أصفر
أحمر
مهاجر ظل أكتب نحرته  فم ظل مدفون ومتى ؟ رأسي)

مللت
حان وقت الانتهاء من هذا السفر اللعوب
وسأعود إلى لغتكم المسلوخة  عنكم.

يا هبنوس
يا إله النوم
والأبصار الزائغة
يا آكل لحم العزلة
والنوم طويلا
طويلا

يا هبنوس
أبصقنا أجسادًا تطفو بعيدا عن قصور العناكب
فلم يعد لي سوى النمل الذي يخرج من فمي
لأحدثه
ولم يعد لي سوى ريش أجنحتي
لأكله
ولم يعد لي قدمان لأركض إلى هناك
ولم يعد لي سوى الماضي كظل غارق
ولم تعد الشمس تتنفس عبر فوهة أنفي
ولم يعد هنا مرفأ لأتعقب رائحته وأسلم له جسدي الخشبي، المصلوب  قطرة قطرة
أنا سيجارتي
 وقد قلت في قصيدة سابقة
كل أفيون المدينة في خدمتك وأنت في ألم عظيم
ومرة أخرى
كل أثداء المدينة في خدمتك وأنت في عطش عتيق
لم تعد لي يد تنتزع الأمكنة من النسيان
حين صارت العلبة التي يحملها كتفاي، كسمكة رسامة تنسج غابات من تلهفات محبطة،
لم أعد أكتب طيورا وأرسم صورا لأموات، بدمي الفضي ،
ما عاد لي جلد ساخن يشوى فوقه لحم الحاجات المذبوحة
ما عاد لي فم يجلس فيه صمت الليالي المزبدة بالتمهلات
ما  عادت لي جفون تسدل الستار على المدن المنطفئة بالاكسارات
ناقص هو الموت لو لي عين ترى النمل عملاقا
ناقصة هي الحياة  لو نبتت على صدري المحطم مدن تموت من الرضا
لو لي شريانا تصلب فيه الدم بأسئلته المتشعبة
سأموت مبتسما برغبة إباحية  نحو القمر

وهكذا
ببطن ممتلئة بالمقابر وألحان مرهقة بالشبق
أتنزه من ليل إلى ليل، ظامئ بين خناجر الأمل
لي رقبة مذبوحة بسكين ممسوس باللا نوم
قبل أن أولد، أكلتني شوارع تمشي فوق  وجوه عابريها
دمي حظيرة للخيول الحبيسة
نقطة
رأسي محراب لإعدامات ودخان دامس
نقطة
يدي اليمنى زجاجة مكسورة
نقطة
البرد في عروقي المتصلبة
يضجع بعيدا عن ضجيجكم
نقطة
نهاية الشارع لا تزال بعيدة
نقطة
وها نحن
بعد الموت
حطب عالق في شرج الزمن، ثقوب وغبار وأوجه مطموسة
لا ترى
خطوط نحيلة وأجنحة تصفع الهواء،
ريح تلك القوارب الهاربة، نحو السقوط
فلتمد يديك إلى أعلى
نحو الجذور الجافة
وتحسس صوت السوط الساقط على ظهور أسلافك
فالغصون تتكسر كالحناجر في مدينتنا العرجاء
وها نحن
لهاث الفاعل.

 

تعليق عبر الفيس بوك