الوقفة الوطنية هي الرصيد الثابت

 

عبد الله العليان

لاحظت ولاحظ الكثيرون الكم الكبير من الكتابات والتعليقات من خارج السلطنة، حول التعاطي المتميز مع الإعصار الكبير الذي ضرب محافظة ظفار، ومحافظة الوسطى، سواء من خلال التحرك الرسمي السريع، أو الجهود الأهلية عمومًا من كل السلطنة، ومن الفرق التطوعية وغيرها من الجهود التي كان لها الأثر الكثير في التقليل من الخسائر البشرية على وجه الخصوص، وكذلك الإسهامات الأخرى في إغاثة ومساعدة الكثير من الأسر التي عانت في مساكنها من تأثيرات الإعصار المختلفة، ولا شك أنَّ هذا ليس جديداً لفهم طبيعة هذه المواقف الوطنية العمانية، فهناك إرث حضاري متخلخل، وثقافة متراكمة للعمل الوطني، جعلت الأمر معتاداً وطبيعياً شواهده معطيات تاريخية متوارثة، لكن الخبرات تراكمت وكونت وعياً مفهومياً لمثل هذه الأزمات البيئية، من أعاصير وكوارث طبيعية وغيرها، فكانت هبة لافتة لم تكن بارزة للكثيرين خاصة من الجوار بالأخص، فجعلت محيطنا الخليجي من كتاب وباحثين، ومهتمين بالواقع العماني في مجالات عدة، ينبهرون بتلك الوقفات، وكيف تم التعاطي معها بتلك الروح الوثابة، وتلك الكتابات حقيقة من خلفيات مسبقة، انطلقت من جوانب كثيرة، وخصوصاً السياسة التي تنطلق منها السلطنة في القضايا العالقة أو الخافتة، التي لها منطلقات في محيطها الخليجي، برؤى استحقت الاهتمام والرصد منهم خلال السنوات الماضية.

ومن الكتابات التي علقّت على إعصار(مكونو) منذ أيام مضت، وصاغت رؤيتها عمّا جرى وكيف تفاعل العمانيون مع هذا الإعصار، ما دونته الكاتبة الكويتية سعدية مفرح في بعض تغريداتها عن الشخصية العُمانية من أن :"هذه الشخصية التي عركتها الطبيعة بكل قسوتها وتقلباتها بقي العماني ثابتاً وصامداً ومتواضعاً.. يعرف من حوله وما حوله جيداً، ويعرف أن الزبد يذهب جفاء ويبقى ما ينفع الناس.. حتى لو كان هذا الزبد كالذي جاء به إعصار مكونو لشواطئ صلالة الجميلة". وهناك الكثير من المقالات والكتابات والتعليقات، عن ما جرى في الحالة المدارية، وكيف واجه العمانيون هذا الحدث بكل صلابة واقتدار وصبر ومثابرة، وكانت كتابات مبهرة حول صلابة هذا الشعب وصموده، ومواجهته، لهذه الحالة المدارية التي كانت عنيفة وقوية، دون أن يقف سلبيا وإتكاليا للأقدار، وهذه هي الروح الصلبة في هذه الشخصية ـ كما قالت سعدية مفرح ـ (التي عركتها الطبيعة بكل قسوتها وتقلباتها)، وهذا ليس جديداً بالنسبة لتلك المواقف، كما أشرت إليه آنفا، فهناك الكثير من الإرث الحضاري الذي نعتز به في هذا الأمر، فالتحدي الجغرافي في بلادنا، ومن خلال التقلبات المناخية، وقسوة الجبال التي تحيط بالكثير من سكان بلادنا، إلا أن هذه التحديات الجغرافية، أعطت الإنسان العُماني الكثير من المزايا الذاتية لمواجهة واقع هذه الجغرافيا وتحدياتها. ومنها الإرادة، والصبر والكفاح، وهذه أيضا منحته القوة لمواجهة هذه الظروف والمتغيرات، والسعي الجاد لتحويل ما هو سلبي إلى إيجابي، والعقبات التي واجهته إلى إبداعات وملكات، جعلته يتفاعل واقعياً معها بإسهامات ومبتكرات، كطريقة شق الجبال والمنحدرات لنظام الأفلاج، والحياة المعيشية الصعبة، إلى نشاط زراعي ورخاء من خلال التجارة مع حضارات وشعوب في آسيا وإفريقيا، فالتاريخ مادة أصيلة لاكتشاف عطاء تلك الأجيال وفق تلك الظروف والتغيرات.

والواقع أن الإعصار كان تأثيره كبيرا جداً خاصة في المدن والولايات الساحلية، وتأثرت منها بعض المباني والطرق والجسور، وهذا لاشك ما ظهر بعد تلاشي مركز الإعصار، ومن هذه المنطلقات، يتطلب من جهات الاختصاص، وكذلك تعاون المؤسسات والشركات الأهلية، المساهمة الوطنية في إعادة ما خلّفه هذا الإعصار، كما أن الطرق والجسور التي تأثرت أبرزت أن هناك ربما خللا في المواصفات في أسفلت تلك الطرق، حيث إن قشرة الأسفلت كانت كما ظهر للعيان مواصفاتها ليست بالدرجة التي تحتم صمودها أمام الأمطار، وهذا ما نود أن يناقش بجدية من خلال الفنيين والخبراء، كما أن بعض الجسور أيضاً، تحتاج إلى عناية خاصة لمواجهة هكذا أعاصير مستقبلاً، وهذه بلا شك فرصة لإعادة النظر وتقييم المشاريع الكبيرة، وذات الأهمية، كالطرق التي تربط محافظات وولايات السلطنة، لأهميتها الإستراتيجية والاقتصادية وغيرها من احتياجات السكان.

والحقيقة أن وقفة الجيش والشرطة والقطاعات الرسمية الأخرى، وكذلك الفرق التطوعية الأهلية، كانت عالية المستوى في كل الجهود والمهام، وهذا بلا شك أعطى الأمر ميزته الكبيرة من مؤسسات الدولة في كل قطاعاتها، في الإسراع في اتخاذ الخطوات اللازمة في التعاطي مع هذه الحالة المناخية، وما بعدها من آثار وأضرار مادية وبشرية.