إفرازات الإرهاب في الوطن العربي

 

د. يحيى أبو زكريا

 

تتفاقم في العالم الإسلامي وفي جغرافيا الإيمان والتوحيد ظاهرة الإلحاد بشكل ملفت إلى درجة أنّ الجهر بالإلحاد بات مألوفا في وسائل الإعلام ووسائط الاتصال والتواصل الاجتماعي.

ويرجع البعض هذه الظاهرة إلى الانكسارات والانهيارات الكبرى في الواقع واكتساح التطرف والإرهاب المشهدين العربي والإسلامي.. وعلى الرغم من أنّ مجمع الفقه الإسلامي حذرّ من تنامي ظاهرة الإلحاد إلى أن وسائل المواجهة وإعادة تأهيل الشباب الملحد عقديا وفكريا وحتى نفسيا تكاد تكون معدومة..

وأشار المجمع الفقهي في بيان سابق له إلى خطورة هذا الأمر على عقيدة الأمة، ووجوب المسارعة إلى الوقوف في وجه هذه الظاهرة المشينة، وضرورة تنبيه المسلمين إلى فداحة أمرها، داعيًا الحكومات الإسلامية إلى القيام بمسؤولياتها بالتصدي لبوادر الإلحاد ومنع قنواته وطرائقه ورموزه من التمكن من وسائل التوجيه والمخاطبة للأجيال.

وتشير بعض الدراسات المحدودة عن ظاهرة الإلحاد في العالم العربي أن أعمار الملحدين الجدد تتراوح أعمارهم بين العشرين والثلاثين.

ومثلما لعب التطرف والقتل باسم الدين دورا كبيرا في نزوع بعض الشباب إلى نقيض الإيمان وهو الإلحاد فإن كثيرا ممن ألحدوا كان إلحادهم نتيجة إشكالات وتساؤلات أربكت عقولهم فبحثوا عن إجابات لها ولم يجدوا شيئا، خصوصا مع حالة الجفاف الفكري الذي لازم المنتوج المعرفي الإسلامي المعاصر والاكتفاء بالرد على القضايا المعاصرة بالموروث التاريخ الذي عالج قضايا مختلفة ومغايرة.

وكان للإكراه والإجبار على التدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بطريقة عنيفة ومخالفة لمقاصد الشريعة الإسلامية دور في نفور الناس من الجهات التي تحمل عناوين التغيير الإسلامي..

ولقد أفرزت العولمة والكوكبية الكثير من التساؤلات التي لم يتعامل معها العقل الإسلامي بطريقة علمية جدلية، وهو الأمر الذي أنتج الاضطراب وفوضى الأفكار وسط الشباب الذين أعلنوا إلحادهم.. وقد مثَّل انتشار الإلحاد في الدول الإسلامية، لا سيما دول الربيع العربي ظاهرة تستحق النظر والدراسة، فما حدث خلال السنوات الثلاث الماضية من انفتاح وحريات غير منضبطة أتاح لأصحاب الأفكار الهدامة الجهر بمعتقدهم، ومن ثم وجد الملحدون الفرصة مواتية لنشر مذهبهم ...

وقد ذكرت صحيفة "المصريون" خبرا غريباً، جاء فيه: "إن مؤسسة "بورسن مارستلير" بنيويورك المتخصصة في دراسات الأديان والإلحاد بالولايات المتحدة الأمريكية، أصدرت دراسة غريبة ومثيرة ومريبة عن الإلحاد في مصر والوطن العربي بعد ثورات الربيع العربي، أكدت فيها أن مصر ينتشر بها أكثر من 2 مليون ملحد لا يعترفون نهائيًا بالأديان..

ويحتوي الفيسبوك على العديد من الصفحات التي تدعو الملحدين العرب إلى الانضمام إليها.

ومن هذه الصفحات: "الملحدين التونسيين"، التي تضم أكثر من 10 آلاف متابع، و"الملحدين السودانيين" التي تضم أكثر من 3000 متابع، وأيضا "شبكة الملحدين السوريين" التي تضم أكثر من 4000 متابع.

وعلى تويتر، يتراوح عدد متابعي الحسابات التي يعلن أصحابها عن إلحادهم بين المئات والآلاف، فمثلا يتجاوز عدد متابعي حساب "أراب آثيست" الثمانية آلاف متابع.

ويتنوع محتوى النقاشات التي يجريها أصحاب هذه الحسابات، فبعضهم يقول إنهم يريدون "هدم خرافات الدين باستخدام العقل"، والبعض الآخر ينشر على حسابه تعليقات وصورا مضادة للإسلام مثل صور لنسخ للقرآن الكريم ممزقة.

بعض هؤلاء يقول إنه هدفه إعمال العقل ونشر العلم وهناك من يقول إن تغريداته موجهة للأتباع الملحدين. وهناك من يصف نفسه بأنه "كافر وملحد" وينشر مشاركات تدعي "بأنّ الخطاب الإسلامي يشجع على العنف ضد الديانات الأخرى".

وعلى يوتيوب، أنشأ بعض الملحدين العرب العديد من القنوات التي تجذب آلاف المشتركين. وغالبا ما ينشر أصحاب هذه القنوات مقاطع فيديو ضد الدين الإسلامي تحمل عناوين مثل: "خرافات الدين".

وفي مكان آخر على شبكة الإنترنت، أطلق بعض الشباب العربي قناة تلفزيونية على الإنترنت تسمى "العقل الحر" ويعرف موقع "تلفزيون "العقل الحر" على الإنترنت بنفسه على أنّه "إحدى وسائل الإعلام العلمانية عبر الإنترنت التي تهدف إلى تقديم أخبار بعيدة من هيمنة الرقابة الدينية والحكومية إلى شعوب الشرق الأوسط والعالم".

لذا.. على المؤسسات الدينية والدعوية أن تعد لخطة ثقافية وحضارية مقنعة وتأسيس خطاب لإعادة شبابنا وشاباتنا إلى دائرة الحضارة الإسلامية ومنظومتها الفكرية.