لماذا لا يتحول مسلمو الغرب إلى قوة ضاغطة ..

 

د.يحيى أبو زكريا

 

بدأت العديد من مراكز الدراسات الإستراتيجية والاستشراف المستقبلي في الغرب بإجراء دراسات معمقّة تتعلّق بمستقبل المسلمين في الجغرافيا الغربيّة، وقد تناولت بعض هذه الدراسات عدد المسلمين وحجمهم الحقيقي في سنة 2050 وما سوف تكون عليه الجاليات العربية والمسلمة في تفاصيل الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسيّة.

ويذهب باحث سويدي إلى القول بأنّ نصف سكّان السويد في سنة 2050 سيكونون من المهاجرين وتحديدا من العرب والمسلمين حيث سيصبحون قوة بشرية مؤثرّة في المعادلة السياسيّة الغربيّة.

والذي دفع هذه المراكز إلى إجراء مثل هذه البحوث هو الأحداث الأمنية الأخيرة التي عرفتها بريطانيا والتي كان يقف وراءها أشخاص ولدوا في بريطانيا وتلقوا تعليمهم في مدارسها وشبّوا وترعرعوا ضمن قيمّها الاجتماعية، بالإضافة إلى ذلك فإنّ بعض المراكز الإسرائيليّة المتخصصّة في مجال الدراسات الاستخباراتية أرسلت أكثر من رسالة إلى عواصم القرار في الغرب مفادها أنّ الوجود الإسلامي خطر على أوروبا في المستقبل وخطر على الدولة العبرية نفسها.

وقد كشف تقرير أعدّه مركز المعلومات الاستخباراتية والإرهاب والذي يقع في مدينة جليلوت في فلسطين المحتلة: أنّ الجيل الحالي من الساسة الأوروبيين مازال يتذكّر أهوال الحرب العالمية الثانية ويعرف كيف قامت دولة إسرائيل وعلى أيّ أساس، ولذلك فهو يفهم تعقيد الصورة الإسرائيلية – الفلسطينية أكثر من فهم الرأي العام الأوروبي لها، ولا يزال هؤلاء الأوروبيون المتقدمون في العمر ملتزمين بأمن إسرائيل وبشرعية الدولة اليهودية، ويضعف هذا الالتزام لدى جيل الشباب والذي يكتسب لنفسه مكانة سياسية وصوتاً سياسيّا في أوروبا ... وجاء في التقرير أيضا: قد نشهد بعد سنين قليلة أوروبا تختلف عن تلك التي اعتدنا عليها، أوروبا التي تنظر بعين الاعتبار إلى العنصر الإسلامي والعربي أكثر مما تفعل الآن، أوروبا التي يكثر فيها الساسة من أتباع محمّد ... انتهى التقرير.

ومما زاد في شرعنة هذه المخاوف لدى صنّاع القرار في الغرب هو الدراسة التي نشرها المجلس الأوروبي حيث أكدّت هذه الدراسة أنّ عدد سكّان أوروبا سيتراجع وأنّ الشعب الأوروبي سيصبح شعباً مسنّا بنسبة تتراوح بين 13 بالمائة و22 بالمائة بحلول العام 2050، كما أشارت الدراسة إلى تراجع مؤشّر الخصوبة والذي سيفضي إلى تراجع عدد الأوروبيين بنسبة 564 مليون نسمة كما قدرّ خبراء المنظمّة الأوروبية، وتعليقا على هذه الدراسة قالت شارلوت هون رئيسة اللجنة الأوروبية حول السكّان أنّ عدد الأوروبيين في تراجع وارتفاع عدد سكّان القارة الأوروبية ناجم عن الهجرة من العالم الثالث – والعالم الإسلامي ضمنا – إلى أوروبا.

تشير بعض التقديرات غير الرسميّة بأنّ عدد المسلمين في الغرب – أوروبا على وجه التحديد – وصل إلى ثلاثين مليون مسلماً، والواقع أنّ هذه التقديرات غير دقيقة وغير رسميّة لعدم وجود إحصاء رسمي لعدد المسلمين في الغرب، غير أنّ عدد المسلمين ليس بعيدا عن هذا التقدير المبدئي وتحول الصعوبات السياسية والفنية دون معرفة العدد الحقيقي للمسلمين في الغرب، حيث تخشى بعض الدوائر الغربية إن هي قدمّت الرقم الحقيقي للمسلمين في الغرب تحفيز اليمين المتطرّف في الغرب ليتحرّك في الاتجاه المعاكس للسياسات الغربية الرسمية المؤمنة بمبدأ الهجرة من أجل إحقاق التوازن السكاني وخصوصًا في دول شمال أوروبا.

بالإضافة إلى ذلك فإنّ عشرات الآلاف من الأوروبيين قد أسلموا وباتوا يحسبون بحكم عقيدتهم الجديدة على الوجود الإسلامي في الغرب، بل أصبح هؤلاء المسلمون الجدد من الغربيين يديرون المعاهد والمساجد والمؤسسات الإسلامية.

ويضاف إلى ذلك فإنّ الوجود الإسلامي في الغرب ليس وليد الهجرات الأخيرة التي انطلقت قبل 50 سنة من العالم الإسلامي وإلى الغرب، بل هو قديم يعود إلى وصول المسلمين إلى فرنسا سنة 716 ميلاديّة عندما فتحوا مدينة ناربون، ثمّ مدينة تولوز سنة 721 ميلاديّة، ومدينة ليّون سنة 726 ميلادية ومدينة بوردو سنة 731 ميلاديّة.

كما أنّه وإبّان الاحتلال الفرنسي لإفريقيا الذي بدأ في القرن السادس عشر فإنّ جيش الاحتلال الفرنسي استقدم آلاف الأفارقة المسلمين للعمل في المناجم والمصانع الفرنسية، تماما كما استقدم القراصنة الأمريكان آلاف الأفارقة المسلمين إلى أمريكا لبيعهم لاحقاً في أسواق النخاسة والرّق والذين كان الكثير منهم يجهر بإسلامه وكتب عن تجربة العبودية الجديدة في أمريكا.

أمّا هجرة الهنود والباكستانيين المسلمين إلى بريطانيا فقد كانت مزامنة للاحتلال البريطاني لشبه القارة الهنديّة، وفي مرحلة الاحتلال البريطاني للهند تدفقّ عشرات الآلاف من الهند وباكستان وبعض دول آسيا إلى بريطانيا وهم يشكلّون الرعيل الأول من المسلمين في المملكة المتحدة .

ولذلك من الخطأ المنهجي ربط عدد المسلمين في أوروبا بتاريخ محددّ والانطلاق منه لإجراء مسح ديموغرافي لعددهم الحقيقي أو الاكتفاء بسجلاّت دوائر الهجرة حول أعداد الحاصلين على اللجوء السياسي والإنساني من المسلمين.