الأخلاق في القيم القرآنية

أحمد السيابي

يُعرَّف علم الأخلاق فلسفيًّا على أنه: علم يوضح معنى الخير والشر، ويبيّن ما ينبغي أن يكون عليه معاملة الناس بعضهم بعضا. أما موضوعه: الأعمال التي صدرت من العامل عن عمد واختيار يعلم صاحبها وقت عملها ماذا يعمل، وهذه هي التي يصدر عليها الحكم بالخير والشر.

أما الجهة الثانية، فهي الفكر الديني، ولم نقصرها على الفكر الإسلامي؛ لأن شرائع الأنبياء السابقين كلها جاءت حاثة على الأخلاق الحميدة والسلوكات القويمة، وإنما جاء محمد -صلى الله عليه وسلم- مُتمماً لها؛ حيث قال: "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق".

وما كان عليه العرب قبل الإسلام من أخلاق حسنة وصفات حميدة كالصدق والكرم ونصرة المظلوم وإغاثة الملهوف وحسن الجوار...إلى غير ذلك من المنظومة الأخلاقية السامية، فإنها كانت من بقايا دين أبيهم وأبي الأنبياء إبراهيم خليل الرحمن -عليه السلام- وجاء النبي -صلى الله عليه وسلم- ليتممها، وفعلاً تمّمها وهذّبها، فمثلاً بعد أن كان النصر للأخ ظالماً أو مظلوماً على مقتضى ظاهر اللفظ، صار النصر له إن كان مظلوماً، وأما إن كان ظالماً فيجب رده عن ذلك الظلم.

وعموماً، فإن الإسلام باعتباره وريثَ الديانات السابقة، ودستوره الذي هو القرآن الكريم هو المصدق لها والمهيمن عليها، فإن هذا القرآن العظيم عَنِي عناية عظيمة وكبيرة بالأخلاق الحسنة.

على أن الأخلاق في الجهتين، الفلسفة أو الفكر الديني الإسلامي، لابد من تقييدها بالخير أو الشر؛ فسلوك الخير أخلاق وكذلك سلوك الشر أخلاق، بيد أن الحكم على تلك السلوكات هو الذي يحدد خيريّتها وشريّتها.. يقول الأستاذ أحمد أمين: "كلنا يحكم على الأعمال بأنها خير أو شر صواب أو خطأ، حق أو باطل، وهذا الحكم متداول بين الناس رفيعهم ووضيعهم في جليل الأعمال وحقيرها على لسان القاضي في المسائل القانونية، وعلى ألسنة الصناع في صنائعهم، والأطفال في ألعابهم؛ فما معنى الخير والشر؟ وبأي مقياس أقيس العمل فأحكم عليه بأنه خير أو شر؟".

وما قاله الأستاذ الكبير متسائلاً عن المقياس الذي يحكم به العمل بأنه خير أو شر، هو من حيث التأطير الفلسفي. أما في الفكر الإسلامي، فيكون من الأدلة الإسلامية، فهي التي تحدد ذلك العمل أو تحكم عليه بالخيرية أو الشرية، وجميع الأدلة الأصولية مشتركة في ذلك كالقرآن والسنة والإجماع والقياس والاستحسان والعرف ومذهب الصحابي والمصالح المرسلة وسد الذرائع واستصحاب الأصل، والأخلاق سواء كانت فلسفية أو دينية؛ فإنها لابد من تقييدها بالخير أو الشر، فيحكم لها بالخير إن كانت خيراً، وبالشر إن كانت شرًّا، ونحن هنا في بحثنا هذا نركز على القيم القرآنية التي جاءت آمرة بالأخلاق الخيّرة الحسنة وناهية عن الأخلاق الشرّيرة السيئة.

ولعِظَم منزلة الأخلاق وسموها، فإنَّ الله عندما أراد أن يثني على عبده ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- وصفه بحسن الخلق، فقال له: "وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ" (القلم:4)؛ تطييباً لخاطره، وتطميناً لقلبه من ذلك القول المؤذي الذي أطلقه عليه المشركون؛ حيث وصفوه بالجنون والسحر، وغير ذلك من أوصاف مؤذية وقحة.

تعليق عبر الفيس بوك