خالد بن علي الخوالدي
شهر رمضان المبارك هبة ربانية للمسلمين جميعا يجدون فيه المتعة واللذة في القرب من الله، ويجدون فيه التجمع العائلي والأسري والمجتمعي حيث الإفطار الجماعي والتعاون في إعداد الفطور والسحور وغيرها من اللمسات المجتمعية التي ينتظرها الناس في هذا الشهر الفضيل، وفي رمضان هناك العديد من العادات والتقاليد العمانية الأصيلة التي لا تزال راسخة في عدد من المناطق في السلطنة فيما تلاشت هذه العادات واندثرت اندثارا تاما ولا نرى لها وجود في أغلب القرى والمناطق في السلطنة نتيجة المدنية والحضارة والتقدم التكنولوجي.
وقد طرحت من خلال حسابي في "تويتر" لمتابعيني رسالة أطلب فيها كتابة عادات وتقاليد رمضانية عمانية طيبة اندثرت وتلاشت أو على وشك التلاشي من المجتمع، وقد كتب لي بعضهم عن عادات عمانية جميلة أول مرة اسمع عنها، والعادات والتقاليد ذات الأثر الإيجابي في المجتمع يفترض أن نحافظ عليها ونشد عليها ونعلمها الأجيال جيلا بعد جيل ولا نتنازل عنها فمن سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة كما جاء في الحديث الشريف.
ومن العادات الطيبة التي أتذكرها في رمضان تجمع رجال القرية أو جزء منها في مجلس أحدهما بعد صلاة المغرب وكل واحد يأتي بأولاده معه مع طبق مجهز في المنزل أو فواله، وكانت هذه المجالس مصدر تعليم وتربية لنا كأطفال ومن خلالها نعرف ما يدور في الحارة التي يهمنا شأنها كما نتبصر أمورا لم نكن نعرفها فكانت هذه الجلسات بمثابة مدرسة مصغرة، وبعد ذلك الجيل تلاشت هذه الجلسات بدعوى الشغل والارتباطات وغيرها وضاعت علينا فرصة ثمينة لمواصلة سبر العلم والثقافة والأدب من كبار السن الذين يعتبرون كنوزا غير مفتوحة وغير مستغلة، وتلاشت هذه العادة تماما في أغلب المخططات العمرانية الحديثة، وهي دعوة مني إلى أصحاب العقول الكبيرة بإعادة هذه العادة الطيبة فالتجمع فيه خير في الغالب ويساعد على صفاء القلوب وتألفها واجتماعها على المحبة.
ومن العادات الجميلة التي بدأت في التلاشي في بعض المناطق خاصة الحديثة منها عادة تبادل الإطباق الرمضانية بين الجيران والتي كانت مصدرا من مصادر السعادة والمحبة بين الجيران وهدفها كان نبيل وراقي وعظيم حيث كانت تهدف إلى مساعدة الجيران الفقراء والمحتاجين والأسر التي لا تستطيع أن تعد وجبات الإفطار بسبب أنّ الأم مريضة أو غيرها من الأسباب وكنا قبل المغرب نتجهز للتنقل من بيت إلى بيت لتوصيل هذه الأطباق، وهذه العادة رغم بساطتها إلا أنّها تعلمنا كأطفال قيم التعاون والتكاتف والتآزر وقيمة الجار الذي أوصاني عليه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم (اعرف جيران لا يعرفون بعضهم)، وهذه العادة موجودة وحية في الأحياء السكنية القديمة والحديثة وإن اختفت من بعض القرى الحديثة إلا أننا نطالب وبشدة إرجاعها لما لها من أهمية كبرى في التواصل بين الجيران وتعليم الأطفال القيم العظيمة والحسنة التي تعمقها فيهم.ومن العادات والتقاليد التي تلاشت واختفت بتاتا نتيجة وجود البدائل عادة (المسحراتي) حيث كان احد المتطوعين يقوم بالمناداة للناس النائمة (سحور..سحور.. السحور بركة) وفي زماننا أصبح الناس سهرانين حتى الفجر فما يحتاجون إلى المسحراتي وعندهم المنبهات والهواتف وغيرها من الوسائل التي استغنوا فيها عن ذلك الذي نذر نفسه لإيقاظ النائمين لكسب الأجر والمثوبة، ومن العادات التي اندثرت وتلاشت في أغلب ولايات السلطنة هي عادة (أذون..أذون) وهذه العادة يقوم بها الأطفال في رمضان في الماضي حيث يجتمعون في مكان واحد وكل واحد يأتي معه طعام ووقت هذي العادة تكون قبل آذان المغرب بقليل حيث يرفع الأطفال أصواتهم بالأناشيد بعد سماع الأذان (أذون. أذون) للإعلان عن دخول الليل وبدأ الإفطار حيث كان في السابق لا توجد مكبرات الصوت للأذان وبدور الأطفال وأناشيدهم يكون مكبر للصوت للقرية أو المنطقة التي يسكنوها (طبعا هذه العادة ما موجودة في كل الولايات)، وهذه عادة طيبة حيث يشعر الأطفال فيها بقيمة وأهمية هذا الشهر الفضيل وتكبر معهم هذه القيمة.
عادات وتقاليد عمانية أصيلة إيجابية تمارس في شهر رمضان المبارك لا يسع المجال هنا لذكرها لكثرتها، بعضها ما يزال صامد وبعضها اندثر، وعلينا دور كبير في تأصيل هذه العادات وتربية أولادنا عليها والمحافظة عليها من الاندثار وإحياء ما اختفى منها قدر الإمكان، دمتم ودامت عمان بخير.