حمود الطوقي
من خلال قراءة سريعة للوضع الاقتصادي الراهن منذ بداية التدهور في أسعار النفط عام 2014 وحتى بداية تعافي السوق النفطية خلال العام الجاري، يتضح جليًا، أنّ الحكومة تعمد إلى تبني سياسات تجنح إلى المحاسبية أكثر منها اقتصادية!
حيث أعلنت الحكومة انتهاج سياسة مبنية على واقع تقلبات أسعار النفط والتي لامست المميزات التي كان يستفيد منها الموظف وتمثلت في تقليص حجم الإنفاق إلى دون المستوى، وفرض الضرائب تلك الملموسة أو الغير ملموسة وذلك رغبة من الحكومة في ترشيد الإنفاق من خلال تقليص الحوافز المشجعة للموظف.
مثل البرامج التدريبية والمهمات الخارجية.
من خلال التشخيص ومن مبدأ وضع الأمور في نصابها ونعمل من منطلق التكيف مع الأوضاع الاقتصادية، فعلينا أن نعود إلى التوجيهات السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه- الواضحة وضوح الشمس في كبد السماء والتي تنطلق من مبدأ تعظيم الاستثمار وترشيد الإنفاق، وأعتقد أننا ركزنا في المرحلة الماضية كثيرًا على مبدأ ترشيد الإنفاق، وأهملنا في ذات الوقت جانب الاستثمار، وكأن من شأن هذا الترشيد أن يُعزز من إجمالي الناتج المحلي للدولة ويرفد خزينة الحكومة بمبالغ تغنينا عن البحث في الاستثمارات الجادة وذات القيمة المضاف.
أكثر ما أخشاه أن يكون هذا الأمر سبباً في إصابة التوجه الاستثماري بالشلل، رغم أنّه من المفترض الاستفادة من الوضع الراهن في البحث عن بدائل جديدة خلاقة تكون مهمة لرفد اقتصادنا الوطني بالحيوية والإنتاجية وأعلم يقينًا أنّ المُخططين في الشأن الاقتصادي على دراية كاملة بأنّ هناك بدائل مهمة يمكنها أن تعزز الاقتصاد العماني بالانتعاش بعيداً عن مورد النفط الذي مازالت مساهمته في الناتج المحلي عالي جدا ويصل إلى 79 و80% بينما قطاعات واعدة مثل السياحة مازالت مساهمتها متواضعة ولَم تصل إلى 3% حتى نهاية العام المنصرم، فبلادنا قد حباها الله بخيرات كثيرة، وهي قادرة على أن تحل محل النفط والذي سوف ينضب في يوم من الأيام.
الكثير من الندوات والمؤتمرات عقدت وطرحت فيها العديد من الآراء والأفكار لتعزيز الاقتصاد الوطني ورفد خزينة الدولة بأموال قد تكون البديل عن النفط ولكن يبدو أن التحرك في مجال التنويع الاقتصادي يحتاج إلى سياسة النفس الطويل، لهذا اتجهت الآراء إلى ترشيد الإنفاق وفرض ضرائب لسد العجز.
وما دمنا تتجه إلى هذا الاتجاه فقد تحدثت على حسابي في تويتر حول حجم تحويلات الأموال من قبل الوافدين أو المستثمرين للخارج وطرحت بعض الأفكار منها فرض رسوم على هذه الأموال والتي تحوَّل يوميًا بمئات الملايين من غير وجود أية قيود وحسب رأي أحد الموظفين في أحد البنوك فإنّ جلّ عملهم يتركز في تحويل الأموال التي تخرج يوميًا. صحيح أن ما يُميز الاقتصاد الحر هو عدم وجود قيود على الأموال ولكن فرض ضريبة ولتكن بنسبة 1% أو 2% أمر مهم إذا ما عرفنا أن آخر الإحصائيات الرسمية من قبل البنك المركزي تشير إلى أن حجم التحويلات المالية للخارج في السلطنة في عام 2017 بلغ مبلغا وقدره ثلاثة مليارات وسبعمائة وأربعة وسبعون ريالا عمانيا وهذا المبلغ بحد ذاته يمثل أكثر من 35% من إيرادات النفط.
هناك مجالات واعدة للاستثمار مفتوحة ومتاحة ويجب ان نشجع العمالة الوافدة على التوجه للاستثمار في السوق المحلية بدلا من التحويلات الضخمة وبإمكانهم توظيف جزء من مدخرات القوى الوافدة الأجنبية في الاستثمار في البلاد بدلاً من تحويل كل المدخرات إلى الخارج.
أعتقد أنّه آن الأوان لنبحث عما هو مُفيد لتعزيز دخلنا القومي ونعمل على تنميته وتشجيع الاستثمار وتوفير بيئة محفزة له بدلاً من التوجه إلى الترشيد في الجوانب التحفيزية والتشجيعية للمواطن.
علينا أن نتعلم من هذه الأزمة، ونضع أولويات البحث عن البدائل بحيث لا نحتاج إلى النفط حتى وإن تعافت السوق النفطية، فلدينا البديل والأهم منه ألا وهو الفكر المستنير والرأي السديد الذي يجعلنا نفكر في تعظيم حجم استثماراتنا بما هو متاح في طبيعتنا ومواردنا وعقولنا والتركيز على الاستثمار في العنصر البشري من خلال إصلاح العملية التعليمية والارتقاء بها إلى مصاف العالمية، وجعلها مواكبة لمتطلبات سوق العمل والإخلاص في العمل، هنا سنجد التحول الجذري لاستثماراتنا شريطة أن نعطي القطاع الخاص كل الدعم لكي يحقق مفهوم مبدأ الشراكة بين القطاع العام والخاص.