رضا أحمد للرؤية: بعض المُبدعين العرب مُؤدلجون ومُصابون بلوثة فكرية


 

حاورها: ناصر أبوعون

رضا أحمد، شاعرة مصرية فازت بجائزة محمد عفيفي مطر وهي من الأبناء البررة المخلصين لقصيدة النثر في خارطة الشعر المصري الحديث صدر لي ديوان "لهم ما ليس لآذار" عن دار نبض للنشر والتوزيع 2016، وجاء ديوانها الثاني بعنوان "قبلات مستعارة"  وهي شاعرة نشطة في المجلات والصحف والدوريات العربية الأدبية ودرست علم الاجتماع بجامعة حلوان، وتتميز برؤية مغايرة لجيلها وتنحت مجرى خاصا لإبداعها في أرض الشعر العربية التي مازلت خصبة رغم المحن التي تعصف بكل شيء.
..............................

س؟؟) أعتقد من وجهة نظري "طقس الأمكنة"، وعوامل التعرية "الجيوثقافيّة" تترك آثارا لا تُرى بالعقل الغافل عن على (جغرافيّة النص الشعريّ).. هل تعتقدين أنّ النصّ (الجديد في مصر) يخالف غيره من الأقطار في قماشته اللفظية، وصوره الشعريّة؟
ج..) أتفق معك، ليس المكان بسر نستطيع أن نخفيه داخل النص؛ فالمكان هو هوية الشاعر وإرثه الثقافي كنزه الذي يستمد منه المشاعر والأفكار العميق، وهو أحد من مفاتيح النص الشعر وأحد مرجعيته الفنية في النفاذ إلى معانيه سواء كان استعمال المكان في النص الشعري بشكل واقعي يمثل خريطة بمواصفات دقيقة كشريط سينمائيا  ينقل ملامح المجتمع وتفاصيل يومه أو توصيفا رمزيا لمنحه حركية متواصلة وتحولات دلالية ذات أبعاد رؤوية ممتدة.
من هذا المنطق أعتقد أن النص الشعري المصري الحديث لا يخالف الأقطار التي مرت بثورات الربيع العربي خاصة في تناول اليومي والمعيش الخصب بصور شعرية تحمل دلالات وإيحاءات معبرة عن شتات الذات وقلقها الوجودي وقد غدت كل الأمكنة قاتمة وجريحة يغطيها صور الفساد هنا والدماء والخراب هناك ولكن الخذلان والاغتراب والإحباط والضياع والبحث عن الوطن واحد،ولكنه بعيد عن استخدام الألعاب اللفظية وبعيدة عن التكلف، في لغة تميل إلى الاقتصاد في التركيب دون إفراط في الجماليات.
...............................
س؟؟) الكثيرون يحاولون طبع النص الإبداعي بمواصفات (جنسويّة)، وإلباس المنتوج الفكريّ أردية (الذكوريّة)، ووسم إبداع المرأة العربية بالعديد من المسميات من نوع (الكتابة النسويّة)، و(القصيدة الأنثويّة).. كيف تنظرين لقصيدتك الشعريّة من منظور نقدي وتوصيفيّ؟
مازال يعتقد البعض – خاصة في عالمنا العربي- أن المرأة غير قادرة على الإبداع وإنها كائن درجة ثانية ذات لغة مقيدة ومكبوتة تحت وصاية الرجل على الرغم من ظهور أسماء شعرية عملاقة في الجاهلية ذات لغة قوية وجريئة وقد ظلت هذه القناعة لزمن طويل حصارا  شديد الإحكام حول تمكين المرأة من التعيير عن نفسها وإبراز قدراتها الإبداعية بل وكتبت بعض النساء تحت عباءة أسماء ذكورية لتستطيع أن تمرر عملها الإبداعي ولكنها لم تستطع أن تؤسس لها موقعا وجوديا إلا مؤخرا، إلا إننا في وقتنا هذا مع اشتداد العنف الثقافي للفكر السلفي أصبحت الكتابة الإبداعية تقابل هجوما ضاريا وأحيانا أحكاما بالجلد أو الحبس مع تهم جاهزة بازدراء الأديان واهنة السلطة أو الوطن؛ لذلك لا أرى الآن اختلافا نوعيا أو جنسويا في الكتابة يخضع النص للنقد من حيث الجودة والرداءة ويجعل قصيدة المرأة تمثيلا ثقافيا لإثبات تحضر المجتمع، ولكن هناك شخصية مميزة لكل نص إبداعي لا نستطيع إنكارها بين المرأة والرجل يثقلها ارثها الثقافي والمعرفي ومعاناتها اليومية والشعور بالألم وتناول القضايا المطالبة بالحقوق ولكن هذا لا يجعل الكاتبة تطارد بأنوثتها من النقاد داخل النص أرى أن شرط الكتابة الأول هو الموهبة والقدرة على استثمار المعارف والتجارب داخل النص الأدبي وقد مارست في قصيدتي قوة المرأة بحداثة نظرتها وهمومها الإنسانية المشتركة ولم أغير لفظا واحد أراضا لناقد يجعلني أخشى على نفسي من نظراته المتطفلة أو أحكامه القيمية أو اعتذر عن تناول موضوع ملح وشائك ارضاءا لذكورية المجتمع.
............................
س؟؟) الشعر العربيّ، والمبدعون العرب تشققتْ لُحْمَتهم، وانفرط عقدهم، وانفكت عروتهم الوثقى بسبب وقوعهم في وسط عقدة الحبل التي يشد طرفيها (السياسيون)، و(الموظفون) حُراس الدواوين الثقافية في بلادنا.. كيف تنظرين للشاعر المؤدلج؟ ومتى يفكّ السياسي ربقة الذّل من عنق الثقافيّ؟
أخشى أن يتملك المبدعون العرب لوثة فكرية وإيجاد تبريرات للتهاون مع الجرائم والصمت حيالها وحيال فاعليها بسبب الانتماء لأحد المعسكرات سواء من النظام أو المعارضة المسلحة، مما يشكل تحريضا مبطنا لوضع مصائر الوطن والشعب تحت أسنان الخراب دون إدراك لقوة الكلمة وقدرتها على كسر القيود والانتصار للإنسان؛ وأرى نماذج كثيرة لهذا التخاذل أحيانا يعتقد الشاعر المؤدلج أن كل رأيه انتهى بذكر كلمة "الحكومة" في قصيدة بل ويروج لأنه سيمنع من النشر ليطفئ على نفسه دور البطولة  في معارضة مزيفة واكليشهات فارغة القيمة لتجاوز الرأي السياسي لمن في السلطة والموقف الوطني من القضايا الملحة أو يكتفي بمهاجمة رأس السلطة بشكل مدفوع لإظهار معارضة هشة وجراءة ذات سقف منخفض تتصدر المشهد الثقافي ويتم الترويج لها للأسف من المؤسسات الثقافية بما تحمله من نصوص ساذجة ورديئة ليجعلوا الشعراء الحقيقيين منفيين ومنغلقين داخل قصائدهم يشاركون الهزيمة قرائهم المحدودون، لكني أعتقد أن الزمن جدير بالفرز والانتصار للتجارب الشعرية الحقيقية.
................................................

س؟؟) ظاهرة كتابة النصوص الإبداعية المشتركة (عربيًا) جديرة بالدراسة، وإن كانت تقليدًا غربيًا.. هل تعتقدين أن هذه المحاولات (عربيا).. احترافية أم إنها نوع من الصداقة تطورت إلى شراكة في الكتابة وكيف يوائم الشاعر دفقاته الشعوريّة مع (شاعر آخر) وخاصةً إنْ كانت أنثى... وهل هذه الطريقة تؤتي ثمارها على مستوى القراءة والنقد؟
ج..) أرى أنها ظاهرة جديرة بالتأمل والنقد؛ أحيانا تكون هذه التجارب توحدا لتجربة شعورية واحدة يرافقها الإحساس المنضبط بموضوع النص وقضيته بصرف النظر عن البعد المكاني والبيئة الجغرافية لكتابيه واعتقد أنها تقيد كلا المشتركين فيها بلغة ذات رؤى واحدة ونفس إبداعي واحد أرى أنها إثراء للتجارب الشعرية وإنتاجا فنيا جدير بالدراسة خاصة وان هناك بعض التجارب الاحترافية التي تعاملت معها بجدية تحت إصدارات ومطبوعات واللافت أيضا أن هناك بعض المجاملات بين الشعراء على موقع التواصل الاجتماعي وظهرت بعض المشاكل خاصة من القراء المنغلقين الذين اعتقدوا بين هذه النصوص قصص حب وباءت بالفشل والقطيعة.
..............................
س؟؟) تعتمدين أسلوب (المنولوج الداخلي) في كتابة (القصيدة الفلسفيّة المكثفة)، غير أنك تكتبين بلا قاعدة ألا تعتقدين أنّ هذا النوع يسبب مشقّة، وخاصةً أنّ كاتب هذا النوع من الإبداع قد يقع في (شَرَك) المنطقة الوسطى بين القصيدة والقصة القصيرة.
ج..) ربما كان الأمر شاق على المتلقي الذي ينتظر نصا يقدم له على طبق ورقي ليتناوله وهو يهز رأسه ممتنا ويلقيه بعدها دون أن يفكر في النص إلا كوجبة شعورية انتهت أو يغوص في تساؤلات تسبب في وجع رأسه، يعد السرد والحوار من أكثر التقنيات حضوراً في قصيدة النثر في سبيل توكيد حداثتها وتنوع إيقاعها واستلهام أجواء ذاتية تستدعيها الذاكرة التأملية ويقترب من الحكائي ليقدم مزيداً من التفاصيل والجزئيات في تصوير الحالة الشعرية وأرى أن هذا مؤثر وفعال في صياغة القصيدة وإيصالها غايتها.
...............................

س؟؟) وإذا ما أردنا التوصيف والتصنيف لأنواعيّة المتثاقفين العرب لاتضحتْ الصورة جِدُّ مفزعة، ولم تتكشف الخديعة إلا عن مُصيبةٍ مُفجعة، فقد سقط القناع، وانكشف المستور عن صورة قبيحة من"ببغاء الكوكاتو المغرور".. أين تقفين من هذه الظاهرة؟
ج..) البعض ينظر للثقافة في وطننا العربي على انها الاكتفاء بالاطلاع على بعض الكتب وتكديسها وحفظ ما بها وقراءة أفكارها الفسلفية والفكرية عند أول لقاء برجل الشارع أو صديق على مقهى، أصبح هذا الأمر مريبا ويسبب الخيبة فعظم المفكرين والفلاسفة الغريبين لم ينتهوا  في كتاباتهم بل استمروا بالنقد والاشتباك والتحليل والتقصي رغم أن بداية تكوينهم الفكري بتلمذة لبعض المفكرين الكبار الذين حثوهم بدورهم على عدم الوقوف على ارائهم ولكن العقل العربي لم يعبر أزمته في النقل ولص العبارات والحكم ونقل المواعظ بحقبها الزمنية بحذافيرها دون نقد لها الامر الذي أدى إلى فساد الواقع الثقافي وركود الفكر العربي وزيادة العنف.
............................

س؟؟) إلى أي جيل تنتمي رضا أحمد إبداعيا .. وهل تؤمنين بالمجايلة .. على أي ناصية من زاوية قصيدة النثر تقفين تحديدا؟
لا أعتقد في المجايلة؛ أو وضع خطوط مفصلية زمنيا أو مكانيا تريح النماذج الجاهزة للنقاد في استقراء القصائد، ولكن المتغيرات التي حدثت بعد ثورة يناير جعلت قصيدتي تكتسب قوتها من بنتيها وجمالياتها وفلسفتها ومخيالها وحداثية تعاطيها مع إنسانية الموقف والقضية من روح الثورة وهذا ما أريده لنفسي أن تظل تتطور كتاباتي إلى أن يجد القارئ العادي صورته بها، أريد أن أكون أحد أبناء قصيدة النثر الذين يحملونها في قلوبهم حتى إذا تقاعس شاعر خوفا من كهنوت النقاد وتركنا بإغراء أموال الجوائز؛ تجدني أساندها وأقف بإبداعي معها ليكتبها الأطفال دون خوف العوز في النشر المؤسسي أو الإقصاء الخليجي في المسابقات المعلبة.

 

 

تعليق عبر الفيس بوك