مدرسة المستقبل.. تحولات رئيسية

د. حمد البوسعيدي

يشهد عالم اليوم مجموعة من التحديات، والتغيرات السريعة، والمتلاحقة في مختلف مجالات التكنولوجيا عامة، وتكنولوجيا المعلومات، والحاسبات، والاتصالات خاصة؛ الأمر الذي فرض مجموعة من التحديات العالمية المختلفة في كافة المجالات؛ فقد أحدثت تكنولوجيا المعلومات تغيرات في منظومة التعليم يمكن وصفها بأنها ثورة شاملة، فتحت باب العلم والمعرفة على مصراعيه، ودخل في منظومة من الاتصالات الدقيقة، والسريعة، والمباشرة بالصوت، والكلمة، والصورة، وبشكل تفاعلي وآني، وبتكلفة بسيطة وأسعار زهيدة.

ونتيجة لتلك التطورات، والتغيرات السريعة، والمتلاحقة في جميع المجالات، ظهر في الآونة الأخيرة تصور يسعى لاستشراف المستقبل بهدف تهيئة الأمم للمتطلبات المختلفة للمستقبل، ونظرا للدور الكبير الذي تقوم به المدرسة في تقدم الشعوب ونهضة الأمم، كان البحث في مستقبل المدرسة من الموضوعات الهامة عند التربويين؛ فظهر ما يسمى بمدرسة المستقبل (جمل والراميتي، 2006).

إنَّ مدرسة المستقبل مشروع يقوم على تطوير التعليم، والمناهج، وأساليب التفكير لدى المتعلمين في جميع المراحل الدراسية، وهي مؤسسة تعليمية تربوية تعنى ببناء المتعلمين بناء شاملا، وتخريجهم وهم يملكون المعرفة العميقة، والمهارة العالية، والقيم الثابتة، التي تتيح لهم الفرصة ليكونوا مواطنين فاعلين قادرين على الإنتاج، والنجاح في القرن الحادي والعشرين، وذلك من خلال التزام المدرسة بتقديم برامج نوعية لإعداد الطلاب للتعلم مدى الحياة، وترجمة غاية التعليم، وأهدافه إلى سلوك وقيم إيجابية (فهيمي، 2005).

كما أنَّ مدرسة المستقبل لها فلسفة، وأسس، ومتطلبات تقوم عليها، وأهداف تسعى إلى تحقيقها، فهي تعطي فرصا جديدة للتعلم، والمشاركة في عمليتي التعليم والتعلم، وتوفر بيئة تعليمية تتيح للطلاب الفرص للدخول في مواقع عالمية من خلال استخدام الإنترنت، وكافة الوسائل التكنولوجية الحديثة، وتتسم بمنهج مرن ومتقدم، ومعلم يرشد الطلاب لكيفية الحصول على المعرفة والتعلم بطرق مختلفة، كما تتميز بإدارة ديمقراطية لا مركزية، وأساليب تقويم متطورة، وتمويل ذاتي، وتنمية مهنية دائمة (العبري، 2009).

ونظرًا لأهمية مدرسة المستقبل في ربط التعليم باحتياجات المجتمع، والوفاء بمتطلبات سوق العمل، نجد أن الكثير من الدول المتقدمة كالولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، وفرنسا، واليابان، وأستراليا، وألمانيا، وماليزيا، قد بدأت بتطبيقات مدرسة المستقبل؛ بهدف استيعاب تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ومن ثم توظيفها، واستخدامها إيجابيا في العملية التعليمية، وتطوير قدرات المعلمين، ورفع المستوى المعرفي للطلاب، وتمكينهم من الوصول إلى مصادر التعلم، والارتقاء بمخرجات التعليم من أجل صناعة إنسان المستقبل (فهيمي، 2005).

وعلاوة على ما سبق ذكره من تطبيقات لمدارس المستقبل، فإن العديد من المدارس في الدول العربية، قطعت شوطا كبيرا في تطبيق الأساليب الجديدة التي تساعد المتعلمين في جميع المراحل الدراسية على اللحاق بعصر المعلومات، من خلال إدخال تقنيات الحاسب الآلي، والإنترنت، والوسائط المتعددة، والمناهج الإلكترونية في العملية التعليمية، وهي بذلك يمكن اعتبارها أيضا مدارس مستقبل.

وتعدُّ سلطنة عُمان من الدول التي اهتمت بتطوير التعليم، فكان من انعكاسات ذلك أن المدارس العمانية قطعت شوطا كبيرا في تحولها لمدرسة إلكترونية أو مدرسة مستقبل كما يسميها البعض، وذلك من خلال استخدام تكنولوجيا التعليم، وشبكة الإنترنت بالمدارس وظهور المنتديات التربوية التفاعلية، واستخدام البريد الإلكتروني، ونظام المراسلات الإلكتروني، والتدريب الإلكتروني، والمناهج الإلكترونية، كما أن سلطنة عمان تقوم الآن بتطبيق مشروع الحكومة الإلكترونية في جميع الوزارات والهيئات المختلفة للدولة، وقطاع التعليم كان له حظ من هذا المشروع، حيث قامت وزارة التربية والتعليم، وتماشيا مع تلك الفكرة، وانطلاقا من مبدأ الحكومة الإلكترونية للسلطنة بتدشين البوابة التعليمية الإلكترونية إسهاما منها في هذا المشروع.

فقد بدأ تطبيق مشروع البوابة التعليمية في العام الدراسي 2007/2008م، وتهدف البوابة التعليمية إلى إقامة مجتمع تعليمي على الإنترنت يربط بين الطلاب، والمدرسين، وأولياء الأمور في أي مكان بالعالم، مع تحقيق التفاعل المطلوب تزامنيا ولا تزامنيا دون الإخلال بمبدأ التعلم الذاتي للطالب، وتعد البوابة التعليمية نقلة نوعية على صعيد توظيف التكنولوجيا العصرية في الحقل التربوي (العامري، 2010).

---------------------------------

المراجع:

- جمل، محمد جهاد والراميتي، فواز فتح الله، 2006، مدرسة المستقبل مجموعة رؤى وأفكار ودراسات معاصرة، دار الكتاب الجامعي: غزة.

- فهيمي، مصطفى، 2005، مدرسة المستقبل ومجالات التعلم عن بعد، دار الفكر العربي: القاهرة.

- العبري، نصراء بنت علي بن عبيد، 2009، واقع الممارسات الإدارية لمديري مدارس التعليم الأساسي بسلطنة عمان في ضوء متطلبات مدرسة المستقبل، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة السلطان قابوس، مسقط.

- العامري، محمد بن محسن بن ثني، 2010، تصور مقترح للبوابة التعليمية بوزارة التربية والتعليم بسلطنة عمان وفق الاحتياجات والمعايير التعليمية المعاصرة، رسالة ماجستير غير منشورة، معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة.

Anas.ahmed.49@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك