د. راشد بن علي البلوشي
أستاذ اللغويات المساعد - جامعة السلطان قابوس
يُذكرنا ما يجري في جزيرة سُقطرى اليمنية هذه الأيام من غزو من بعض الأطراف، بنجدة العُمانيين للجزيرة عندما نقض نصارى الحبشة العهد الذي كان بينهم وبين المُسلمين وهجموا على الجزيرة وقتلوا أهلها (بما في ذلك والي إمام عمان) ونهبوا أموالها وأحرقوا بيوتها ومساجدها وعاثوا فيها فساداً، وكان ذلك في القرن الثالث الهجري. وبعد استغاثة أهل الجزيرة بالإمام الصلت بن مالك الخروصي، جهَّز- رحمه الله- جيشاً من مئة سفينة وأرسله لقتال النصارى المُعتدين، فدحرهم وطهر الجزيرة من أرجاسهم، وكان له النصر، بإذن الله. ووُثِّقَتْ هذه الحادثة والاستغاثة في قصيدة الشاعرة فاطمة بنت حمد بن خلفان الجهضمية، المُلقبة بالزهراء السقطرية (http://www.soqotra.org/vb/showthread.php?t=4708).
وتوضح الحادثتان، نجدة العمانيين للجزيرة ومحاولة الآخرين العبث بها، الفرق بين منهج العمانيين ومنهج هؤلاء الآخرين.
باختصار، فإنَّ العمانيين بسطوا سيطرتهم على الجزيرة منذ قرون مضت، من أجل خير الجزيرة وأهلها. فقد نشروا فيها تعاليم الدين الحنيف وعَيَّنوا فيها الولاة ونشروا الأمن والتسامح وشجعوا الانفتاح وازدهرت التجارة في عهدهم. وكانت الجزيرة جزءاً من النفوذ العُماني (الذي شمل أيضاً أرض المهرة وحضرموت)، وهو ما ساعد على حفظ الأمن في الجزيرة وكذلك حمايتها من الأخطار التي كانت تهددها، مما عاد بالنفع على أهل الجزيرة، دون أن يكون للعمانيين أطماع خفية في أراضي الجزيرة أو ثرواتها أو مميزاتها المختلفة، مما لاقى القبول والاستحسان من أهل الجزيرة. وهذا هو ديدن العظماء، الذين يعطون أكثر مما يأخذون ويفيدون أكثر مما يستفيدون.
وبالمقابل، فإنَّ ما يفعله الآخرون الآن في هذه الجزيرة هو باختصار العبث، بالسيطرة على أراضي الجزيرة، رغماً عن رغبة أهلها وبخلاف اتفاقهم مع الحكومة الشرعية التي يزعمون التدخل من أجل دعمها. ويهدف هذا التدخل أيضاً لسلب ثروات الجزيرة والتحكم في مزاياها البيئية والسياحية والإنسانية واللوجستية والعسكرية، عن طريق توفير بعض الخدمات من تعليم وصحة وغيرها، في الوقت الذي أصبح فيه توفير هذه الخدمات واجباً على هذه الأطراف، حيث إنهم شاركوا في العدوان على اليمن (بغض النظر عن الأسباب والذرائع)، مما عطل أو على الأقل ساهم في تعطيل إيصال الخدمات ومقومات الحياة لكثير من أجزاء اليمن.
ويُبين هذا أن انتشار العمانيين عندما كَوَّنوا إمبراطورية، وحتى قبل ذلك، لم يكن جغرافياً بقدر ما كان حضارياً، ينشر السلام والوئام وينشد الخير والرخاء ويؤسس للتعاون وتبادل المصالح مع كل من ينضم إلى أقاليم الإمبراطورية العمانية أونفوذ أَئِمتها وسلاطينها، وبالتالي يتمتع بحماية جيوشها وأساطيلها، وهوما يعلل وجود صور لسلاطين عُمان في المنازل في كثير من الأقاليم التي تبعت الإمبراطورية العمانية، كبلوشستان وزنجبار، وغيرها، وكذلك ما يقوله أبناء شرق أفريقيا من أن العمانيين هم من نشر الإسلام في الأقاليم الداخلية لشرق أفريقيا. وطبعاً، هذا الماضي المشرف يتبعه ويؤكده حاضر يسير على نفس النهج الإيجابي، ولن نسهب في شرح هذا الحاضر، لأنه أوضح من أن تبينه الكلمات والجمل وأروع من أن تصفه القصائد والخطب.
وبالمقابل، فإن الآخرين ينتشرون جغرافياً، أو يحاولون ويخيل لهم أن ذلك ممكنا، ينتشرون عن طريق المؤامرات ونشر الذعر وإزهاق الأرواح والنهب والاستغلال والاعتقال والاستفادة من مزايا الأقاليم التي يسيطرون عليها والقصف الأعمى الذي يرمي إلى إخافة اليمنيين وثنيهم عن المطالبة برحيل المحتل ومساندة الأطراف التي تعمل على تكريس الفوضى داخل الدولة اليمنية والانقسام داخل المجتمع اليمني من أجل إفشال الدولة اليمنية، مما يسمح لهذه الأطراف بالاستمرار في تنفيذ خططها التي ترمي إلى تقسيم اليمن والسيطرة على ثرواته وموانئه ومقدرات شعبه.
الفرق واضح جلي بين ما فعله العمانيون وما يفعله الآخرون، منهجان مختلفان لا يلتقيان. فمن يبدأ بالخير لا ينتظر منه إلا الخير، فكانت نجدة العمانيين للجزيرة، ومن يبدأ بالشر لا يرجى منه إلا الشر، فكان ما يحدث الآن.
دمتم، وعاش اليمن، مهد الحضارة ومنارها وأرض الرجال الأوفياء.