نعيمة خليفي.. انطباع على الهامش


جمال الفزازي - المغرب


ليس هناك ماهو أفدح من إدّعاء الحقيقة والقول بأنها واضحة كالشمس.. لكن الشاعرة قد تراها في الظلام  مما يلتبس بشبهة  الغموض المزعج للفهم المنطقي.. فبفعل السخرية السوداء تمكنت الشاعرة من رسم مشاهد الضحك .. لكنه ضحك كالبكاء لأنه يحمل موقفا فيه ازدراء وترفع عن  عالم الجحيم، بل مقاومة له حين يريد منع الذات  من حق التخييل واستشراف الشرفة.. السخرية هنا متاخمة للسريالية التي تشكل خطاب اللاشعور وحلم اليقظة المتمرد على  كوابيس إكراهات المعيش المبتذلة والعلاقات الاجتماعية العبثية التي لا تكف عن التكرار في حلقات لامتناهية كما الوشاية والتنكّر في أقنعة السلطة والتقنع بالحب. هنا  الضحك سريالي في  لعبة الوعي المرح  الذي يسعى إلى تدمير عالم يدّعي الجد واليقين الخالص ..
(كان كل ما حولي يضحك)
مثل شجرة اللبلاب – القهوة – ...الخ
بل إن الضحك يمتد ليشمل إعادة رؤية العلاقات بين الظواهر بشكل مغاير ومختلف.. كالجمجمة التي تقتل الأسماك ..
(كنت جمجمة
تقتل الأسماك السوداء
وترش الملح على الجثث
التي نبتت في رأسي
ليتسع حقل الشجرة)
إن القصيدة هنا تحفر جمالياتها من صراع الحياة والموت.. وما الشجرة سوى رمز لهذه الصيرورة العابثة بالوجود الذي يحمل في ذاته تناقضات قد يستبصرها المتأمل

تلك الشجرة التي
تسندني فوضاها
ضاقت بالجثث
هي إذن شجرة الحياة/ الموت في آن واحد .. والشاعرة
 تحاول هزَّ السماء
ليسَّاقط المطر
هكذا تستحضر الشاعرة ألوانا شتى من حقول الحياة لها صلة قرابة بالماء: البحر والشجرة والوردة والسماء والمطر والاسماك والدودة .. أشياء حاضرة بقوة لأن الماء هو الحياة .... شيء واحد يغيب عن النص هو النار .. النار الحاضرة في الجسد .. جسد لا يكف عن الحفر لاكتشاف الينابيع.. ينابيع  الشعر والحب والسلام.
.................
إلى نص نعيمة خليفي:
صباح الشرفة
*
كانت الشرفة تهدل بالدهشة
وقلبي ينبض بالشجرة
**
الشجرة تلك
علمتني الركض في الأعماق
والقفز على الدوائر الحمراء
قالت لي ذات مرة:
من يزرع خطاه في البحر
لا يخشى العاصفة
**
فقلت لها :
صنعنا للعاصفة عينا
لنخرج منها سالمين
**
تلك الشجرة التي
 تسندني فوضاها
ضاقت بالجثث
*
وأنا أحاول القبض على قطرات الفرح
 في ميراث تلك الحياة التي
طويتها في حقيبتي
كي لا تتركني خلفها ...
كنت كمن تحاول هز السماء
ليساقط المطر ,
*
في الشرفة
كانت القهوة تضحك
على فنجاني الشارد
فوق الطاولة
**
شجرة اللبلاب التي نبتت على شرفتي
كانت منغمسة في الضحك أيضا
**
لست ادري إن كانت تضحك لي
وانا اعتقل الضجر في الدوائر
وأفتت الفراغ بالكلمات
أم للقطط السارحة في الحديقة
ام للورود المنشغلة بدلال الفراشات
أم للحارس العجوز
الذي غاب مع أغنية :
"قتلتني دون سلاح"
ولم ينتبه للأطفال
الذين كانوا على الأرائك
يقصفون الورد
بالمقالع
**
كان كل ما حولي يضحك
 إلا أنا كنت غائبة عن الضحك
**
كنت جمجمة
 تقتل الأسماك السوداء
وترش الملح على الجثث
التي نبتت في رأسي
ليتسع حقل الشجرة
**
وكنت الدودة العمياء
أحفر الأنفاق للضوء
وأصد الحرب
بالقصيدة.
 

 

تعليق عبر الفيس بوك