العمانية – الرؤية
يعد سماء عيسى واحدا من أبرز الأسماء الشعرية العمانية المؤسسة للقصيدة الحديثة في عُمان، وتجربته الشعرية ممتدة ومتواصلة منذ السبعينبات وحتى اليوم. والمتتبع لمسار تجربته الكتابية بشكل عام يلمح تنوع نتاجه وغناه وثراءه، فهو يكتب الشعر، والمقال النقدي، والنصوص السردية، والمسرح، والسيناريو، كما أن له اهتمامات بالموروث الثقافي العُماني على أكثر من مجال وصعيد، وله متابعاته ومساهماته في مجال الفنون البصرية من سينما وفن تشكيلي وغيره.
وفي مسار تجربته الشعرية صدرت له مطلع هذا العام مجموعة شعرية حملت عنوان "استيقظي أيتها الحديقة" عن دار مسعى للنشر والتوزيع وجاءت المجموعة في 56 صفحة، تكونت المجموعة من ثلاثين نصًا شعريًا، حملت جميعها أرقامًا من 1 وحتى 30، وجاءت بعض النصوص معنونة بينما خلت الأخرى من العنونة. كما نجد أن الشاعر قد استمد عنوان المجموعة من النص الذي حمل رقم 3 حيث يقول: في الفجر/ رنا الطفل/ إلى الحديقة/ حزينا/ قال:/استيقظي/ أيتها الحديقة/ من نومك الطويل.
ويقوم المعمار الفني لنصوص المجموعة على تفاعل الأنا الشاعرة مع ما يحيط بها، تستحضر الموجودات وتقيم معها تواصلا يتعدى مجرد الوصف الشعري بل الحوار والتفاعل والتأمل في تلك الموجودات. كما نلاحظ حضورًا كثيفا لثيمات الماء والنبع والحب والشجرة، الغناء العذب والحرية في مقابل الموت والجفاف والاحتراق، والتسلط والقمع. والشاعر بهذا التقابل في الثيمات يضعنا أمام حقيقة الحياة وما تكتنفه من خير وشر وصراع مستمر، وليس بالضرورة على الشاعر هنا الانتصار لطرف على آخر بل يقدم الشاعر الأمر في صور جمالية متقنة الصنع ممتزجة بشعرية عالية تستفز القارئ وتدفعه للتأمل مع الشاعر.
وعكست نصوص هذه المجموعة تفاعل الشاعر مع نصوص دينية وشعرية وحكايات شعبية وتفعلها مع مكتشفات أثرية، ففي النص رقم 13 نجده يضمنه مقطعا من سفر أشعيا في العهد القديم، والنص رقم 14 بعنوان شرفة لوركا فيها أيضا تفاعل مع قصيدة الشرفة لجارسيا لوركا، والنص 23 وعنوانه "إلى تشارلز سيميك" فيه تفاعل مع الشاعر الأمريكي تشارلز سيميك، والنص 26 المعنون بـ "أمي أفريقيا" متأسس على تفاعل الشاعر مع أغاني فن الليوة العمانية ذات الجذر الإفريقي.
والنص رقم 27 إلى صالح العامري يتفاعل الشاعر مع نص قصيدة سان جون بيرس، وكذلك مع الحكاية الشعبية التي تحكى عن القديس الذي أعطاه الصيادون سمكا فاسدا فتحولوا إلى غربان. وفي النص رقم 28 بعنوان "تصييف" يتأسس على غناء التصييف وهو فن غنائي عماني يواكب حصاد القمح أو الحنطة. كما يستفيد من الحكاية الشعبية التي تروى عن كهف مجلس الجن في قرية فنس بولاية قريات. في النص رقم 30 وعنوانه "قبر صبية برأس الحمراء" يخاطب فيه الشاعر الفتاة التي وجدت في أحد مدافن رأس الحمراء والتي تعود إلى منتصف الألف الرابع قبل الميلاد.