حوار عقلاني في مجلس الدولة

علي بن كفيتان

تلقيت دعوة كريمة فذهبت بي الخطى إلى المكان الذي أدخله لأول مرة، حصناً شامخا وكل شيء يوحي لك بالماضي مع استشراف للمستقبل ابتداء من مواقف السيارات وانتهاء بردهة الحوار الرحبة الفسيحة، علقت السماعة فإذا به صوت أعرفه جيداً تعوّد مسمعي عليه منذ كنت أحمل شنطتي على ظهري صغيراً أمخر بها سكون ريف ظفار الجميل آنذاك، نعم تهادى إلى مسمعي صوت معالي الدكتور يحيى بن محفوظ المنذري رئيس مجلس الدولة؛ رجل تشهد على مسيرته الزاخرة بالعطاء شهاداتنا الدراسية التي حملت توقيعه منذ مطلع فجر النهضة بالإضافة لمسيرتنا الجامعية الأولى عندما كان رئيسا لجامعة السلطان قابوس.

لقد تشرّفت بحضور جلسة في مجلس الدولة واستمتعت بكل ما سمعت، ورغم الساعات الطوال للنقاش الساحر لم يتسرب الملل إلى نفسي مطلقاً ربما كنت شغوفاً وربما كان الحوار من عالم آخر؛ عالم الاتزان والعقلانية، فالرئيس ونوابه متصدرون القاعة والمكرمون في مقاعدهم رجال من زمن التجارب ففيهم الشيخ والتاجر والأديب والأكاديمي والعسكري والأمني، إنّهم مزيج نادر من عُمان من ترابها وهوائها ومائها ومن جبالها وسهولها وشواطئها بين لي ذلك بأن اختيار جلالة السلطان – حفظه الله ورعاه - كان أفضل من خياراتنا التي حكمتها الصناديق وحشد لها كل منا صاحبته وبنيه وقبيلته التي تؤويه لنخرج بشيء لا زال لم يجد لنفسه مكانا في الفضاء العُماني الرحب.

جدول الأعمال ناقش موضوعين مهمّين الأول متعلق بتنظيم اقتناء وتشغيل الطائرات بدون طيار أو ما يعرف بطائرات التحكم عن بعد (الدرونز) التي انتشرت بشكل واسع وتستخدم في صروف شتى ابتداء من تصوير الأعياد والمناسبات بمختلف أنواعها الوطنية والأهلية إلى المناظر السياحة وغيرها، وفي ظل غياب آلية قانونية تنظم هذا القادم الجديد تصدر الهاجس الأمني المشهد والتوجس من استخدامها لأهداف غير حميدة بالإضافة لإمكانية اختراقها للخصوصية الشخصية المصانة بحكم القانون ومن هنا تشكل فريق عمل خرج بتقرير عرض لنقاش مستفيض في ذلك النهار، وظهر من خلال المداولات أهمية أن يكون الفقهاء القانونيون في الجوار فقد كانت لدى المكرم محمد بن علي العلوي جملة من الفتاوى القانونية الرصينة، واتفق الجمع على إعادة تكليف فريق العمل بصياغة مقترح جديد وفق معطيات النقاش لمشروع يرفع لمجلس الوزراء الموقر مع التأكيد على إمكانية صدور لائحة تنظيمية سريعة حتى يتم إصدار قانون فيما بعد.

في الاستراحة كانت لي فرصة للقاء بمعالي رئيس مجلس الدولة الموقر لا زال كما عرفناه في ثمانينيات القرن الماضي رجل سمح دمث الخلق يمنحك الاهتمام حتى ولو كان عابراً هنا تذكرت مخرجات التعليم في أيام كان معاليه وزيرا للتربية والتعليم فقد التزم بنهج الكيف على حساب الكم وأخرج الحقل التربوي أجيالا شهد لها القاصي والداني واليوم نتمنى أن يعود نظام التعليم كما كان أيام المنذري.

كان نقاش الجلسة الثانية مخصص لموضوع فهمت أنّ وجودي كضيف كان من أجله فقد أثار مقال كتبته قبل عدة أسابيع حفيظة وزارة التجارة والصناعة فموضوع النقاش كان عن (قانون الشركات التجارية الجديد) كالعادة لم يقصر المكرم الدكتور عيسى الكيومي رئيس فريق عمل المجلس المفاوض في هذا الشأن فقد أوضح حصيلة نقاشاتهم وما اتفقوا عليه واختلفوا فيه في جلستهم المشتركة مع فريق مجلس الشورى حول مواد القانون الجديد وأدخل رئيس المجلس الموضوع إلى مطبخ الخبراء فنال حظه من الإضافة والحذف وطفى إلى السطح مجددا فقهاء القانون وإمكاناتهم العجيبة لترويض المواد وصياغتها بما يحقق الهدف ويحفظ حقوق التجار في النسخة الجديدة من القانون المرتقب وحظيت مادة تتعلق بحقوق الشريك المتضامن في طلب أي معلومات عن الشركة وتفحصها هو أو من ينوب عنه بكثير من النقاش ففي حين لا يرى فريق مجلس الشورى أهمية لوضع هذا الحق بين عدد من المكرمين من ذوي الخبرة في مجلس الدولة بأن هذا الحق أصيل وورد في معظم القوانين التي تنظم الشركات التجارية العربية والأجنبية ولا يمكن تغافله.

ختاماً أتقدم بجزيل الشكر لمكتب مجلس الدولة الذي منحنا هذه الفرصة الثمينة للتعرّف على ما يجرى داخله من نقاشات عميقة تهم الوطن والمواطن وتتوافق مع رؤية مولانا جلالة السلطان حفظه الله وأبقاه لعُمان آمنة ومستقرة.

alikafetan@gmail.com