علي بن كفيتان بيت سعيد
إن لعبة العصا والجزرة حكاية قديمة لا يُجيدها إلا من امتلك الاثنتين معاً وقد ذكرت العصا في آي الذكر الحكيم ليتكئ عليها نبي الله موسى عليه السلام وليهش بها على غنمه لكن الجزرة لم ترد مطلقاً في هذا الدستور الرباني العظيم، ومن هنا نجد أن من خرج بالعصا عن صفتي الاتكاء والهش فقد بالغ في استخدامها أو حتى التلويح بها وأما من تعود على قضم أصابع الجزر فقد أصبح دمه برتقاليا.
لقد كفل النظام الأساسي للدولة تحت الباب الثالث عن الحقوق والواجبات العامة في مادته (32) وهنا نقتبس المادة "للمواطنين حق الاجتماع ضمن حدود القانون" فالجزء الأول منح الحق والجزء الآخر أطَّره ضمن حدود القانون ومن هنا يجب أن يعلم طرفا الشأن، المواطنون وأصحاب القانون والحراس على تنفيذه ماهية هذه المادة التي وردت في دستور البلاد الذي أصدره صاحب الجلالة سلطان البلاد المفدى-حفظه الله ورعاه- بموجب المرسوم السلطاني السامي رقم (101/96) بحيث تكون هناك آلية للسماح معلومة للجميع تحددها أطر قانونية، أما المنع المطلق الذي يتجاهل الحق الممنوح للمواطن في اللقاء والاجتماع فسيولد اتجاها عكسيا لا محالة وهذا ما يبرر وضع المشرع لهذه المادة في القانون الأساسي للدولة.
خلال الأسبوع الماضي حدثت تجاذبات عميقة حول هذا الموضوع؛ حيث إنَّ هناك مواطنين راغبين في الاجتماع لإقامة ملتقى في ولاية صلالة لا يختلف بأيّ حال من الأحوال عن الملتقيات التي تقام في مختلف ولايات المحافظة، ومن خلالها يُعبر الناس عما يدور في خلجات نفوسهم من ولاء وعرفان لجلالة السلطان- حفظه الله ورعاه- والتنفيس عن كوامن النفس البشرية بممارستهم للفنون والآداب التقليدية كالشعر والرقص الشعبي فتجد الرجال بكامل زيهم المحلي. وتنجذب لتلك الملتقيات جموع النساء والأطفال وكل يحتفل بطريقته، ويمكن أن تشكل تلك الملتقيات بيئة مثالية للتوعية بالظواهر السلبية وتستغل إيجاباً من مختلف الجهات الحكومية الراغبة في بث رسائلها.
وفي الجانب الآخر، للمشهد توجس أمني من إقامة الملتقى وتداعياته على النسيج الاجتماعي، ولا شك أنّ هذا الهاجس محل تقدير، فالكل ينعم بحياة آمنة ومستقرة ولا يرغب في أي منغصات قد تكدر ذلك الواقع الذي نلمسه بكامل حواسنا ونعيه بكامل مداركنا، إلا أنَّ المبالغة في هذا الهاجس قد تنعكس سلباً في بعض الأحيان حسب وجهة نظرنا، فأكبر المتفائلين من منظمي هذه المناسبة لم يكن يتوقع كم الحضور الهائل الذي حصل عقب حظر إقامته؛ حيث إنَّ الحضور في المرة الأولى سيكون رمزياً إلى حد كبير ولن يأخذ الطابع الشعبي الحماسي، كما حصل من تجمع الآلاف وأكثرهم من فئة الشباب بعد أن خفتت أصوات الشيوخ الرمزيين، فلم تلق مناشداتهم ولا بياناتهم البعيدة عن واقع رعيتهم الافتراضية آذان صاغية، وشكل غيابهم تمرداً مُعلناً على سلطتهم الأدبية التي ظلت شكلية وغير فاعلة، بينما أشرقت الشمس على قيادات مجتمعية أكثر فاعلية وتأثيرا في المجتمع، وربما كانت هذه النقطة في صالح الجهات الرسمية لمعرفة مراكز القوة والتأثير الجديدة. وفي انعكاس آخر، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي لتغطي كل لحظات الحدث وعظمت كل المواقف من أولها إلى آخرها، وأمام هذه الآلة التي تتخذ من الفضاء الخارجي وسيلة للوصول إلى كل أركان الكون، فتح الباب للجميع للتداخل والخوض في شأن من شؤننا الداخلية، وبلا شك فإنّ الذباب الإلكتروني وجد شيئاً من ضالته التي طالما كان يبحث عنها داخل الصندوق العماني المحكم على التعايش والسلام وحب جلالة السلطان- أبقاه الله-.
أظهر حضور هذا العدد الكبير من الناس مدى التزامهم الواعي بالحفاظ على أمن الدولة وشكل صفحة ولاء وعرفان غير مسبوقة لباني عُمان وسيدها، ففي غضون ساعات انصرف الجميع في مواكب تتهادى بالرجال تتبعها زغاريد النساء في منتهى الإجلال والتقدير لسلطاتنا الأمنية والعسكرية التي كانت على مشارف المكان.
حفظ الله عُمان من كل الشرور والمحن وأدام على باني نهضتنا وقائد مسيرتنا الصحة والعافية والعمر المديد.