التلويح بعقوبة الإعدام والسجن المطلق

 

د. عبدالله باحجاج

تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي طوال الأسبوع الماضي خبر تغليظ عقوبة تهريب والاتجار بالقات إلى الإعدام والسجن المطلق، وهذه وسيلة ردع وزجر مهمة جدا، وتعكس الإحساس المؤسساتي بتزايد ظاهرة القات في بلادنا، وبالذات في محافظة ظفار، فلولا ذلك لما جاء تغليظ العقوبة، ونشرها لدواعي الانتشار، والعلم بالعقوبة، فهل وصلت الرسالة؟ وهل ستحقق لوحدها هدفها الردعي؟ وهل تفاقم ظاهرة القات دليل نجاح أم فشل؟ وما الحل؟

كما يعرف الكل؛ أنّ الشريحة السنية المتعاطية والمتاجرة والمهربة للقات هي من فئة الشباب، وبالتالي علينا التساؤل: لماذا يلجأ الشباب إلى القات خاصة والمخدرات عامة؟ وعندما نلوح هنا بهذه الشريحة السنية فإنّ ذلك يفسر لنا جانبا من جوانب الحرص على مستقبل الشباب في ظل تزايد ظاهرة القات وليس العكس، وهناك الكثير من الأبواب المفتوحة على مصراعيها التي تجعل من ظاهرة القات تتزايد وتتغلغل في بنية هذه الشريحة السنية، فهناك باب الباحثين عن عمل، وباب التسرب من المدرسة، وباب سهر الشباب والأطفال خارج منازلهم حتى الصباح، وباب ضعف المرتبات وعدم تغطيتها لاحتياجات أفراد الأسر، والمرحلة المقبلة ستشهد اختلالات سافرة في عدم المواءمة، وهناك كذلك باب تهريب القات من الخارج إلى داخل بلادنا، فهل تم سد هذه الأبواب جميعها أو الأهم منها بصورة متزامنة مع تشديد العقوبات؟

في الأسبوع الماضي جاءني شاب متذمر، والقلق عنده مرتفع، من تقادم سنه على سن استحقاقات الوظائف، فقد منعه سنه (28) عاما من استحقاق فرصته في العمل في إحدى القطاعات غير المدنية، لأنّ هذا القطاع يشترط سن (27) كحد أعلى، وجدنا لديه شعورًا بجسده، وبمرور السنين عليه، وهو يتطلع إلى الزواج لإشباع غريزته الفطرية التي خلقها الله عز وجل في ذاته، إلى متى ستظل معطلة في جسده؟ وما هي حدود صبره؟ وتساءل متى سأكون مثل غيري لديّ وظيفة وراتب وأمل في المستقبل؟ من يحس بمثل هذا الشاب وهو يحمل الآن قلق دخول سن الثلاثين؟ وهناك الكثير من دخول سن الأربعين، ولا يزالون في قائمة الباحثين عن عمل.. ومثل هذه الحالات تولد بيئات اليأس والإحباط في صفوف الشباب.. وترمي بهم في مستنقع القات "تعاطيًا أو ترويجًا أو تعاطيًا" فهذا الشاب مشروع جاهز لجذبه إلى عالم الجريمة تحت ضغوطات مثل هذه الظروف الخارجة عن إرادته...إلخ فلماذا لم ينفتح هذا القطاع على هذا الشاب دون التمسّك بالسن المقدسة، خاصة وأنّ الفارق هنا سنة فقط؟ لو عندنا إدارة سياسية بمرحلتنا الوطنية الراهنة لما شهدنا هذه الإشكالية.

من هنا نجد تغليظ العقوبة في ظل بقاء مثل تلكم الأبواب مفتوحة، بمثابة كمن يدفع الشباب إلى مشانق الإعدام وامتلاء سجوننا بهم لمدد زمنية مطلقة، هكذا سيكون لسان حال المشهد لو ظللنا نراهن فقط على الحل القانوني في مواجهة تزايد ظاهرة القات في محافظة ظفار، صحيح، لن يتخذ قرار أقصى العقوبات إلا في الحالات النادرة، لكن يظل خيار السجن وفق مدد زمنية منظورة قائما وفق تقديرات القاضي؛ لأن ظاهرة القات في تصاعد، ومصنف من المخدرات ومغلظ بأشد القوانين في بلادنا، على عكس جوارنا اليمني الذي يعد البوابة الكبرى لدخول القات إلى بلادنا، فهو هناك غير مجرم، ويمارس على نطاق واسع، فهل تمت حصانة حدودنا ومنافذنا البرية والبحرية قبل أو تزامن مع تغليظ القوانين؟ لأنّ تغليظ عقوبة الجرائم في ظل وجود البيئة المؤكدة لها، تفقد إلى حد ما جانبها الردعي، لن ننكر توفره، لكننا إذا ما أردنا الحل الشامل، فمن المؤكد لن نجده في التشديد القانوني فقط، فمن لا يمتلك مصروفا يوميا، أو كافيا، وهو فاقد الأمل في الوظيفة أو التعليم.. كيف سيشكل له تغليظ العقوبة وسيلة ردع تمنعه عن التعاطي أو الترويج أو المتاجرة؟ بل كيف لعصابات القات أن تنحل نفسها بنفسها بمجرد التغليظ فقط؟

نطرح مجموعة التساؤل لدواعي التوضيح وفهم أبعاد القضيّة من كل جوانبها، دفاعا عن الحل الشامل لقضية القات خاصة والمخدرات عامة، مع تقديرنا لكل الجهود التي تبذل من أجل نظافة مجتمعنا العماني، وهي جهود مقدرة ومثمنة، لكن الإشكالية الكبرى هنا، تكمن أنّه ورغم هذه الجهود الكبيرة، ظاهرة القات في تفاقم، ومن حقنا أن نتساءل عن أسباب تزايد وانتشار ظاهرة القات رغم وجود أجهزة الرقابة ومؤسساتها؟ وهذه الجزئية تفتح لنا ضرورة عاجلة لإصلاح وتحديث أطر وكوادر رقابتنا، وكذلك الاستعانة بأحدث التقنيات الراصدة للتهريب جويا ذات الاستشعار الدقيق  بعيد دخول القات لأراضي بلادنا، ومنافذها معروفة، وهذا خط دفاعنا الأول في معركتنا مع القات وبقية المخدرات، مع اعتبار قضية القات وبقية المخدرات قضية بلادنا الأولى، وحلها لن يتأتى الا في ظل منظومة متكاملة من الحلول، ومتزامنة مع الحل القانوني الردعي، وبالتالي، فهذه القضية لن تختص بها لوحدها جهة واحدة، إنما عدة جهات، وبصورة متكاملة وتكاملية، وإلا، فإن مستقبل هذه الظاهرة خطير جدا خاصة إذا ما ربطناها بالتحولات الاقتصادية التي تشهدها بلادنا منذ منتصف عام 2014، وكذلك عام 2019 موعد تطبيق ضريبة القيمة المضافة، ففي العام المقبل، سيثقل كاهل المجتمع وتيرة الضرائب والرسوم، وستقل قيمة مرتبات الأسر الشهرية، وستكون فاتورة الغذاء مرتفعة جدا، ولن تتمكن الأسر الأخرى من الاستمرار في دفع مصروفات أبنائها كما اعتادت، مما قد ينضم إلى قافلة المتعاطين والمهربين والتجار بالمخدرات أعضاء جدد، بحيث سيجد الشباب أنفسهم فجأة في هذه المستنقعات. فهناك أشياء تدفع بهم إلى المجهول من أجل المال رغم علمهم بالعقوبات المشددة، ففقدان الأمل عند الشباب والفراغ.. كفيلان بتحطيم القيم، فكيف بمن لا يتأسس على منظومة قيمية صلبة؟ بل طبيعة العصر نفسه، بدأ يفكك المنظومة القيمية، ولنا تصور مستقبل القات والمخدارات خلال المرحلة المقبلة؟

والخطوة العاجلة التي ينبغي أن تتخذ فورًا، تكمن في إنشاء لجنة محلية تضم الشركاء الثلاثة، الجهات الحكومية والقطاع الخاص والمجتمع، تضع استراتيجية محلية لمكافحة القات مستمدة أسسها من الاستراتيجية الوطنية لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، على أن تنبثق من اللجنة عدة فرق، كفريق التوعية والوقاية، والفريق العلاجي والتأهيلي، والفريق الاجتماعي، وفريق المتابعة، وفريق العصف الذهني، تكون مهمة هذا الفريق سنويا العمل على استحداث برامج لإشغال الشباب بالكثير من الأمور وعدم ترك وقت فراغ لهم. وتضمين المناهِج الدراسية بدروس توعويّة عن أضرار ومَخاطِر القات والمخدرات. توعية الشّباب في المدارس والجامعات والكليات بأهم المخاطر التي تنجَم عن تعاطي المخدرات على أسس علمية مدروسة، والعمل على توعيّة الشباب الذي يسافر إلى بلاد أخرى بقصد الدّراسة أو التنزه بأضرار المُخدرات، وعلم الشباب بالقوانين الرادعة للمخدرات، ودون مثل هذه الخطوات، هل نتوقع أن تحل قضية القات نفسها من تلقاء نفسها، ودونها سيقع الكثير من شبابنا تحت طائلة القوانين المغلظة.. فهل ستكون صرختنا في وادٍ سحيق كغيرها.. والله المستعان.