أنواع الصورة في "شعر العدالة" لسعيد الصقلاوي


أ.د/ ناريمان عسّاف - لبنان


للصورة في شعر العدالة لسعيد الصقلاوي عدة أشكال منها:
الصورة البصرية:
"البصر هو أدق الحواس حساسية وتأثرًا بالواقع المحيط، فعن طريق العين يكون الاحتكاك مباشرًا بموضوع التجربة  بل إن هذه أسبق الحواس الى إدراك هذا الواقع ،  ونعثر على هذا النوع من الصور في كثير من القصائد، ولكنها غالبًا ما تكون صورًا
جزئية تقع ضمن سياق صورة كلية كبرى، على نحو ما نقرأ في قصيدته (صرخة طفل) من ديوانه (أجنحة النهار) ، التي يقول فيها:
"ويركب صهوة الإصرار، ينفض سطوة الكرب
يصيح بعالم الأحرار والنجب
أنا عربي
أنا طفل فلسطيني" (1)

الصورة اللونية:
  ويتبدى هذا النوع من الصور الشعرية أيضًا كقطع الفسيفساء داخل نسيج النص الشعري في معظم إنتاج الصقلاوي، غير أن هناك قصيدة بعنوان (توقيع باللون الأحمر) تشكّل دراما لونية، رائعة، بل لوحة تشكيلية تحيل النص المكتوب الى ضربات فرشاة (2)
- الصورة اللمسية
  وتحتل المرتبة الرابعة في قائمة صور الحواس، وهي تضم أربعة إحاسيس رئيسة:
"أولاً الإحساس بالتماس والضغط ، ثانيًا الإحساس بالألم، ثالثًا الإحساس بالبرودة، رابعًا الإحساس بالسخونة" (3)
"أطلقت نار الشعر تحرق الدجى
وتكشف الدخان والتلبدا
تعانق الجريح والمستشهدا
وتحضن الأسير والمشردا (4)

الصورة الشمّية:
وهي التي تتشكل من مثل قول الشاعرسعيد الصقلاوي:
"وأنفاسٌ شذا خوخٍ (بسلواد) وليمون" (5) والشذا هنا أتى مشبه بليغ، وفي قوله "وعشقي زهرة الدفلى"(6) أيضًا تأكيد على الرائحة الزكية للدفلى التي تشبه حرارة العشق من خلال التشبيه البليغ أيضا.
الصورة السمعية:
  وهي الصورة التي لها دلالة على المشاعر التي تتأتى من السماع، فترسم الخطوات التي أحدثت الصورة السمعية، في مثل:
" أنادي : أيها الدنيا
أفيقي، واسمعي صوتي" (7)
ويحرص الشاعر سعيد صقلاوي على جمع كل هذه الصور في مقطع واحد أحيانًا ، فيتشكل المشهد الشعري لدى القارئ بكل دقائقة، وكل مجرياته، في مثل هذا المقطع من قصيدة "محاصرون" المهداة الى عبد الرحمن الداخل (8)
  وفي هذه القصيدة يبث الشاعر في المقطع الأول منها – عواطفه الجياشة نحو هذه الشخصية الفذّة التي أغربت مع غروبها شمس العدالة والعنفوان والانتصار؛ وبتحبب استدعاها الى الحضور، والحضور بالطبع ليس واقعيا، ولا تقمصًا، بل في استعادة الأمجاد.
الصورة التجريدية:
  إذا كنا في التحليل السابق قد حاولنا تلمس مفهوم الحسية في الصورة الشعرية من خلال تحليل عيّنة من الصور الممثلة لها، فإننا سنعمل في هذا المستوى على مقاربة الصورة الذهنية؛ أي التجريدية، وذلك بتطبيق معطيات التحليل على مجموعة من الصور التي افترضنا تجريديتها مسبقًا، اعتمادا على مؤشرات محمولاتها المعنوية، موضوعية كانت أو شعورية، بالنظر الى الانتقال الى المستفاد من مفردات الصورة وتراكيبها - وفقاً لتعبير (عبد السلام المسدي)- ذلك أن الانتقال المقصود هو الذي يتمّ من المفهوم الحسي الى المفهوم التجريدي، أو من التجريدي الى تجريديّ آخر؛ وتلعب الاستعارة المكنية دورًا لافتًا في بلورة هذا النمط من الصور، وخاصة الاستعارة الاسمية التي ترد في تركيب نحوي، مكوّن من مضاف ومضاف اليه، وتشتد حدّة التجريد حينما يضاف المحسوس الى المجرد، أو يعاد تشكيل أشياء الطبيعة والواقع، وجعلها تتبادل الأدوار فيما بينها، وتعير خصائصها لتستقبل خصائص غيرها، يقول سعيد الصقلاوي في المقطع الثاني من قصيدة "يا غضب الرعود في آبائنا"(9)
يا راحلاً مِنْ عُمْقنِا لعُمْقنِا                           صورة رقم 1: تجريدية
هلاّ سأَلتَ اليوم َعن أَخبارنا
وعنْ شُموخ ِالشمسِ في جباهنا
   وعنْ نَشِيدِ الماءِ في ترابنا                       صورة رقم 2: سمعية
-   وعنْ حَفِيفِ النخلِ في أنغامِنا                  صورة رقم 3: شمية                     
-   وعن أَرِيجِ الزَّهرِ في أَنفاسِنا        
    وعن حُروفِ الشِّعرِ في ديوانِنا                 صورة رقم 4: بصرية
    وعن بَريقِ اللونِ في لَوْحاتنِا                   صورة رقم 5: تجريدية
     مُشرَّدونَ نحَنُ في بُيوتنِا
     نًفَتّشُ الوُجُودَ عن وُجُودِنا
 -   نَبْحثُ في الزّحامِ عن عُنوانِا                        صورة رقم 6: لمسية
     مُحاصرون في كتابةِ اسْمِنا
  -  مُحاصرون في ارْتِداءِ ثَوْبِنا                         صورة رقم 7 :بصرية
     مُحاصرون في اخْتيارِ لَوْنِنا
-    مُحاصرون في انْتِظارِ فجرنِا                       صورة رقم 8: سمعية
     مُحاصرون في اختلاسِ هَمْسِنا
 -   مُحاصرون في ارْتِعاشِ نَبْضِنا                      صورة رقم 9: تجريدية
      مُحاصرون يا أخي : في نَوْمِنا
  -   وصَحونا، وأكْلِنا ، وشُرْبِن ا                       صورة رقم 10: بصرية
  -   ويَسْرقون الكُحْل مِنْ عُيونِنا
  -    ويسملون النُّورَ في قُلُوبِنا                          صورة رقم 11: سمعية
  -    ويُخْرِسون الصَّوتَ في  َمي                       صورة رقم 12 : تجريدي
       يجَفّفون النَّهرَ في عُرُوقِنا
  -  ويَزْرعون الموْتَ في جُلُود                          صورة رقم 13: بصرية
فهل يَسِيلُ الضّوءُ مِنْ أهْدابِنا؟
ويَستطيلُ النَّخلُ في قاماتِنا؟
  - وتُعْشِبُ الحُقُولُ مِنْ بسماتِنا؟                        صورة رقم 14: بصرية
  - هل.. يُشرقُ الصباحُ داميَ المنى                    صورة رقم 15: سمعية
في أَعْيُن الأطفالِ في وُجْدانِنا      
   -  يروي على صَفْحَاتِهِ مأْساتَنا                       صورة رقم 16: تجريدية
في القدسِ في بَغدادِ في جُولانِنا
في القرنِ في ميزاب في سُودانِنا(10)
إن إحتواء الشيء المسموع بحاسّة النّظر، إنما هو احتواؤه بالحس والعلم والفهم وبالتوهم أيضًا :(لسان) ، (بصر) و (نظر) و (حس) وما تحيل عليه من معاني علم وفهم، فيكون للصورة ما جرى للسمع والبصر في جدليّة واحدة، من سيولة الإيقاع أوماء الشعر- بعبارة العرب – ما جعلها قادرة على أن تجاري الرؤية في سيولتها.
  وبتعبير (د. منصف الوهابي) ، فلا الإشارة تنفصل عن الصوت، ولا الصوت ينفصل عن الشيء المرئي، والصورة بهذا المعنى لا تعدو كونها ظلا للأشياء، ودليلا على واقع شاخص ماثل للعيان، وعلامة على طريقة المعنى؛ والقرينة فيها أشبه بعلامة تنصب ، حتى يهتدى بها الى المعنى المضمر، ويستدل بها، بالرغم من أن غياب القرينة ليس قرينة غياب، أي غياب المعنى المجازي في شتى الاستعمالات الراجعة الى ما نسمية (شعرية اللغة) (47)
ونحن إزاء هذه المقاطع نقف مذهولين أمام هندسة الصور، لنجد أننا بعد كل ثلاث مقاطع نقف أمام صورة تجريدية تأتي وكأنها توكيد للكلمة المفتاح للقصيدة ، أي (محاصرون)، وهذا الجدول يبين صور الحواس المتتالية، أو المتشابكة مع الصور التجريبية.
وإذا أحصينا الصور البصرية نجد أن عددها خمس ، وهي الأكثر بين الصور، إذ بلغ عدد الصور السمعية 4 ، و وُجد صورة واحدة فقط سمعية ، كما وُجد أيضًا صورة واحدة لمسية.
  إن الحواس كلها اجتمعت وفق هندسة معينة لترسيخ وتأكيد فكرة الحصار، وقد تتالت الصور وفق منهج علمي تعليمي، لأن الإنسان يتعلم بنسبة 75% من خلال النظر ، وما يقارب 15% من خلال السمع ، والنسبة الباقية تتراوح بين السمع واللمس.
وقد توغل الشاعر سعيد الصقلاوي في ابتداع الصور التراثية، وامتد خياله الى استنساخ شخصيات تراثية ، تسرد حكايات تراثية جديدة ، لترسيخ فكرة العدالة المفقودة.
............................
المصادر:
(1)    أجنحة النهار ص 19
(2)    تجليات الشعر العماني، ص 28.
(3)    يوسف مراد، مبادئ علم النفس العام ، دار المعارف ، 1998 / ص 62
(4)    أجنحة النهار ، ص 20
(5)      أجنحة النهار ، ص 20
(6)     م.ن. ص.ن.
(7)     م.ن.ص.ن
(8)     م،ن، ص،ن ، ص 27
(9)      عبد الرحمن الداخل: هو أبو المطرف عبد الرحمن الداخل بن معاوية بن هشام بن عبد الملك الأموي القرش (113 – 172 هـ / 731 – 786 م ) المعروف بلقب صقر قريش ، وعبد الرحمن الداخل أسس الدولة الأموية في الأندلس عام 138 هـ .
(10)    تجليات الشعر العماني، سعيد الصقلاوي ... ترنيمة الحياة، ص 29
(11)      تجليات الشعر العماني، سعيد الصقلاوي، ترنيمة الحياة، ، ص 151

 

 

تعليق عبر الفيس بوك