عبد الله العليان
"لا يضيع حق وراءه مطالب" هذه الكلمات التي تقال دائما وتتداول بين الفينة والأخرى، تذكر الشعوب والأمم أن الحقوق المسلوبة لابد لها أن تسترد، وأن تتذكر الأجيال المتعاقبة أن حقوقاً أخذت بالقوة لشعب فلسطين بعد حرب 1948، ولابد لهذا الحق أن يعود يوماً، وقد ساهم الاستعمار بتأييد بعض المنظمات الصهيونية ودعمها وتسليحها لاحتلال أراضي فلسطينية قبل حرب 48، وقتل أهل فلسطين وطردهم وتشريدهم، ولاشك أنّ الأمر كان مؤامرة كبيرة، رتبت لها الدول الاستعمارية ـ وهو ما نتج عنه (وعد بلفور) الشهير في رسالة سلمّها للحركة الصهيونية، ليؤكد في هذه الرسالة ما سمّاه إقامة وطن قومي لليهود، بدعم منها، التي أعدت العدة لهذا المخطط، واستخدمت هذه المنظمات الصهيونية السلاح، لفرض واقع جديد لليهود لاحتلال أراض فلسطينية بالقوة المسلحة.
وعلى الرغم من أنّ هذا الوعد بالوطن لم يشر إلى إقامة دولة لليهود في فلسطين، وهي خطة ماكرة تعتبر من الأساليب المعروفة للاستعمار، لكن الأمر كان واضحا، أن الوطن سيكون له سكان، وستتحول إلى سيادة، ومن ثم إلى دولة، وهذا ما جاء تاليا بعد حرب 1948.
وبعد الهجرة الكبيرة لليهود من أوروبا الغربية والشرقية، أصبح لهم ثقل كبير في الأراضي التي احتلوها بعد حرب 48، وهذا ما ساهم في اعتراف العديد من الدول الأوروبية، خصوصا بريطانيا وفرنسا، بهذه الكيان الإسرائيلي، واعتبارها عضوا في الأمم المتحدة.
لاشك أن يوم الأرض عند الشعب الفلسطيني الذي خرج فيه في الأيام الماضية؛ لهو رفض لأي مخطط يخالف حق العودة الشرعي، وقد استشهد العشرات، وأصيب المئات منهم، ولا شك أنّ هذا اليوم من الأيام الحزينة التي تُستذكر بين الوقت والآخر، كلما ظهر جيل جديد من هذا الشعب المناضل، يبلغ الجيل الذي جاء بعد، ولن تتوقف هذه عن المطالبة بالحق في استعادة الأرض المغتصبة، وهذه الأرض التي احتلت، ليست أراضي فضاء، ولكنّها بيوت ومزارع وحقول ممتدة من قرون، احتلها اليهود، بزعم أنّ أرض فلسطين هي أرضهم، لكن التاريخ يكذب هذا القول، صحيح أنّ بعض اليهود كانوا سكاناً في أرض فلسطين، وهذا لا يعطي لهم الحق في طرد شعب آخر قرونا طويلة في أرضه مستقراً وآمناً، فالشعب الفلسطيني، لم يطرد اليهود من فلسطين، فكانوا يعيشون في هذه الأرض، ومثلهم كانوا في مصر وسوريا والعراق والمغرب العربي، بل إنّ أغلب اليهود المهاجرين كانوا من أوروبا، لكن الاستعمار أو الانتداب البريطاني، حقق للدول الأوروبية مطالبهم للتخلص من السكان اليهود في هذه الدول، والتحرّك لهجرتهم لفلسطين، بعد انهيار الدولة العثمانية وضعفها، بعد هزيمة ألمانيا والمحور في الحرب العالمية الثانية، وكانت الدولة العثمانية إحدى دول المحور.
والإشكالية الكبيرة والعقبة الرئيسية للقضية الفلسطينية في ظل الظروف الراهنة للعالم العربي بالأخص، أن الفلسطينيين أنفسهم مختلفين إلى حد التخاصم والتصارع، وربما أحياناً خلافاتهم لا تصل إلى مستوى الخلاف مع المحتل الغاصب!! وهذا سبب في عدم اهتمام العالم بهذه القضية العادلة وأيضا تشّبث إسرائيل بهذا الاحتلال، فالصراع بين فتح وحماس، أو بين السلطة وحركة حماس في غزة، لغز محيّر للمتابع، فكيف لشعب مهضوم الحقوق، ومطرود من أرضه بعد احتلالها، أن يتصارع بينه وبين أخوانه، الذين يشتركون في معاناة الاحتلال وقهره وظلمه؟ هل هذا الخلاف المستمر منذ عقود بين فصائل القضية الفلسطينية، يحقق هدفهم في استعادة الحق السليب؟ أليس الظروف القاهرة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، يحتم إنهاء الاختلاف والتصارع بينهما؟ لماذا يستمر الخلاف، مع أنّ الوعود الأمريكية بقيام دول دولة فلسطينية قابلة للحياة، مجرد وهم وسراب، يحسبه الظمآن ماء؟
فالحقيقة أنّ المرء يحتار فيما يجري من القيادات الفلسطينية من خلافات ومشاحنات منذ قيام السلطة الفلسطينية حتى الآن، ناهيك عن الاقتتال الذي جرى بينهما منذ عقدين في غزة، ومنذ سنوات كنت أقول في نفسي ـ ولعلها أمنية تمنيتها أن تكون ـ أن هذا الخلاف ربما يكون مختلقاً ومرتباً، لكون الاتفاق بينهما قائما لأهداف واستراتيجيات الكبيرة، لكنني مع الوقت وجدت أنّ الخلاف كله لصالح العدو المغتصب؟ ويقوى احتلاله؟ ويزيد من رصيده أن أصحاب القضية مختلفون، ونحن ـ كما تقول إسرائيل ـ دولة ديمقراطية مؤسسية، متقدمة، وهؤلاء ليس عندهم رؤية مستقبلية، وهم في خلاف دائم، وهذا بلا شك ما تقوله الدوائر الصهيونية في الغرب عن أصحاب القضية، وللأسف هذا الأمر يدعو للاستغراب! إنّ إسرائيل استثمرت الخلافات بين القيادات الفلسطينية، وكذلك التوترات والصراعات في دول عربية مجاورة، في تؤكد أنّها الدولة الديمقراطية الوحيدة، ويجب أن تبقى مع احتلالها.
فخروج الشعب الفلسطيني بكل فصائله في ذكرى يوم العودة منذ عدة أيام، هي رسالة واضحة أن ما سمّي بـ (صفقة القرن)، لن تمر على هذا الشعب، الذي ناضل وسيناضل حتى يتحقق حق العودة في استعادة الحقوق، وهذا ما يجعل القضية الفلسطينية محّركة للشعور العام ضد كل الخطوات لمحو الحق الثابت في استرداده، والوقوف في وجه المخططات التي تريد عقد الصفقات في إبقاء الاحتلال والاستيطان، مع جعل الأمر كما هو سلطة بلا دولة وبلا حقوق للعودة، وهذا ما تخطط له واشنطن، وبعض الدوائر في المنطقة. والغريب أنّ بعض القيادات الفلسطينية، لا تزال تتحدث عن القرارات الدولة، والجميع يعرض أن هذه القرارات منذ أكثر من 60 عاماً، وهي سلة المهمات، ولم تتحقق حتى أبسط الحقوق الفلسطينية الإنسانية، فما بالنا في قرارات تعيد الحق لأصحابه؟
وقبل عدة أيام قرأت في صحيفة عربية مهاجرة، حديثاً للأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين نايف حواتمه، وهو من القيادات الفلسطينية المعروفة التي تؤمن بالعنف الثوري المنظم، في رده على مشروع (صفقة القرن) قال إنّ "علينا أن نعود إلى الأمم المتحدة لاستصدار قرار لعقد مؤتمر دولي للسلام بمرجعية قرارات الشرعية الدولية، ورعاية الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس".
والواقع أنني أستغرب وأتألم من هذا القول من أحد المناضلين البارزين منذ أكثر نصف قرن، بأن يقول بهذا الكلام، الذي مللنا من سماعه وقراءته منذ احتلال فلسطين، وهل لم تعقد مؤتمرات للقضية الفلسطينية حتى؟ أليس مؤتمر مدريد عام 1991، هو مؤتمر دولي حضره كل الدول الكبرى، وكل الأطراف العربية؟ وكم من قرارات أصدرتها الأمم المتحدة بانسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة؟ وماذا جنينا من مؤتمر مدريد الذي دعي إليه جورج بوش الأب عام 1991؟ وماذا نتج عن الوعد بدولة فلسطينية قابلة للحياة؟ الحقيقة إن القول من هذه القيادات التي كانت تعتنق النضال لعقود طويلة، من خلال الكفاح المسلح، وتعتبر الذهاب للأمم المتحدة خيانة للبندقية الفلسطينية، لهو شيء يدعو للألم والحزن، نعم للحل السلمي والسلام العادل، لكن أين هو السلام الذي أتى من الأمم المتحدة منذ 70 عاما؟ إذن المطالبة بحق العودة والتمسك بالحقوق غير المنقوصة، هو الطريق الصحيح بكل الوسائل التي تقرها الشرائع السماوية والوضعية.