ستة مقاطع من "مُتاح للمشاهدة"

أسامة حدّاد – شاعر مصريّ


(1)
الصيف
ماذا أقول عن الصيف؟
إنه لا يطرق الأبواب؛
وﻻ يلقي بالتحية على العابرين؛
يندفع كقنبلة دخان مجهولة الهوية؛
يزرع سطوته على الأرصفة؛
ويدخل البيوت كزائر ثقيل فى الفجر...
الصيف قاتل محترف؛
يمتلك طرائقه المبتكرة للخنق؛
ويمارس الغواية...
أيها الصيف...
كم شجرة أحرقت أوراقها؟
وكم فراشة أنهيت حياتها هذه الساعة؟
وكم فتاة خلعت ملابسها؟
وألقيتها تتقلب عارية؛
وأنت تضحك من مياه
تتدفق فى ممر ضيق
بين نهديها...
أنت مجرم حرب
تعتقل الملايين فى منازلها؛
وتحتل الشوارع بالرطوبة؛
تكتم أنفاس المارة؛
وتضحك بأنياب حادة؛
وأنت تمسك الهواء بيد قاسية وغليظة أيضا...


(2)
اللوحة
قفزت من البرواز إلي؛
وضعت قبلة على فمي؛
وبدأت فى الغناء؛
قبل أن تهمس :
أريد أي ملابس ولو ممزقة...
كنت أشبه من اختطفها فى اللوحة
- كما أخبرتني -
والشرطة تحاصر الشارع
بحثا عن سارق تسلل إلى المتحف؛
والبريئة معي
عارية كما رأيتها لأول مرة؛
وطيبة بدرجة ﻻ أصدقها؛
وخطا الجنود تقترب؛
ورصاصهم ينهمر جوارنا...

(4)
ذات ليلة
لا تعبأ بالوقت...
فعقارب الساعة سامة؛ ومحاولة اصطيادها عملية خائبة - لقد جربت ذلك كثيرا - واتلفت عشر ساعات يد؛ وساعة حائط أثرية...
كانت خدعة ﻻ مثيل لها؛ حين وجدت عقاربها فى سيارة الإسعاف؛ والأطباء يهرولون لإنقاذها، فى اللحظة التى ينطلق فحيحها من المذياع :
أهلا بكم مع دقات منتصف الليل؛ وتروسها تدور حول رئتيك؛ وكان قمر صناعي يوجه صفوفًا من النجوم لتتحرك بخطا منتظمةٍ فى استعراض عسكري؛ أصاب الشوارع بالتوتر - خاصة - مع وجود تعليمات رسمية بانتهاء الليل فى موعده...
كنت وقتها - كما يزعم منشد متجول - كبيرا للكهنة؛ ومسئوﻻ عن تحديد حركة المجرات؛ وترتيب مواقع الأبراج حسب حالتك المزاجية؛ تضع طرائق للتحكم فى أحلام الجالس على العرش؛ وتتغافل عامدًا عن احتساب الدقائق الضائعة أثناء إصابة مدينتين بغيبوبة؛ وعند اقتحام مركبات مجهولة لمخدع عاريةٍ؛ واكتشاف مهووسٍ يعشقها منذ ثلاثة آﻻف سنة على الأرجح؛ كما قرآت فى لفافة سرية - تخلصت منها على الفور - والتى ذكرت قصة العثور على رسائله الغرامية فى خزانتك؛ كنت تضعها فى سلة الغسيل من الشقة العلوية بضاحية نائية؛ وتجذب ملابسها بصنارة؛ وضمت البردية المحترقة قصائد غزل؛ كنت ترسلها عن طريق ( ياهو )؛ وديوان ضبطته الشرطة فى أقدام زوج من الحمام الزاجل وجد مشويًا فى مطعم كنتما تلتقيان أمامه؛ هذا ما حدث؛ وﻻ يمكن التنصل منه مع وجود عروض فى الموالد تحكي ما يخصكما؛ وصياح الصبية خلف أشباهكما؛ وما حكته مسرحية لشكسبير عن جنونكما المستمر؛ وهى وثيقة إدانة ﻻ تنكرها الساعات المضربة عن احتساب الوقت؛ ولا تخفى الشوارع الخلفية أسرارها؛
والمرايا حولك تقول كل شيء..

(5)
نعم أفكر فى ذلك
المنتحرون أقوياء
ذهبوا بإرادتهم إلى الموت
وأنت فى الغيبوبة
عيناك تنظران داخلك،
والهواء يتسرب إلى رئتيك
دون رغبة منك - -
ﻻ تجد مقبرةً لتهرب منها،
ولا حياةً لتندفع إلى الهاوية،
سيجارتك مطفأة
وكأسك فارغ،
وصورتك ﻻ يراها أحد.


(6)
أحيانًا أضحك
أضحك لإن رصيدي من البكاء نفد اليوم...
أضحك لإنني لم آكل من شجرة آدم وحدي...
لإن لصوصًا دخلوا منزلي، وعادوا خائبين...
أضحك فالضحك يليق بوداع الأصدقاء...
أضحك لإن أحلامًا تترصدني لا أجد من يفسرها...
سأعمل من الآن كمجنونٍ فى الشوارع، أبعثر ضحكاتٍ لا معنى لها، وأضع خطةً للأشجار من أجل أن تنفجر فى قهقهاتٍ لا تنتهى،
سأروى نوادر فكاهية عن التماثيل الرابضة فى الميادين،
قد استغل هوسي اليوم فى السخرية من الجنرال، وأمارس الخديعة مع سرب لطيورٍ تعبر أمام نافذتي،
يكفى أن أعرض صورة الثعلب الذى أوقعه أرنب فى ورطة،
أو حكاية السحابة التى ركبت دراجة هوائية، و اختارت مكان هطولها...
سأضحك إلى أن ينتهى الضحك - تمامًا - كما يحدث الآن.

تعليق عبر الفيس بوك