غُمُوْضٌ لَا أَيْنَ لَهُ

كريمة مبسوط – المغرب


(1)
صَوْتٌ
أَوْشَكَ أَنْ يَصِيْرَ رَماداً
وَهَذَا اللِّسانُ
الَّذِي يَحْمِلُ وِزْرَ احْتِراقِهِ
لَيْسَ سِوَى غَيْمَةٍ فاتِرَةٍ أَسْبَغَتْ
قَلَقَ الأُفُوْلِ عَلَيْهِ..
نِداءاتٌ كَثِيْرَةٌ
مِنْ جِهاتٍ شَتَّى كانَتْ تَأْتِي
نَمَتْ عَلَى حافَّةِ جُرْحٍ
كانَتِ الطُّيُوْرُ تَبْدُو فِي مُفْتَرَقِهِ
فتْقاً شَفِيْفاً
وَالأَنِيْنُ المُحاذِي لِلصَّمْتِ
أَصْواتٌ عَمِيْقَةٌ مِنْهُ
كانَتْ تَصْعَدُ
وَالصَّمْتُ بِلا هَوادَهْ
يَسْتَبِيْحُ صَداها
يَشْرَبُ ما تَبَقَّى مِنْها مِنْ أَنْفاسٍ
وَيَنْصَرِفُ إِلَى أَقْصَى
الفَراغْ...
أَيُّها الطِّفْلُ
النَّائِمُ فِي دَمٍ مُنْهَكٍ
كُلُّ هَذا الْمَطَر المُنْبَعِثِ مِنْ
بَياضِكَ لَمْ يَعُدْ يَكْفِي
لِغَسْلِ الأَرْضِ مِنْ مَجاهِلِ
ظُلُماتِها
أَوْ يُعِيْدُ الفَرَحَ
لِشَمْسٍ فَقَدَتْ ضَحكاتِها
أَنْتَ
أَيُّها الطِّفْلُ الضَّالُّ
شَقاؤُكَ لَمْ يَكُنْ مَحْضَ صُدْفَةٍ
وَلا هَبَّةَ رِيْحٍ عابِرَهْ
بَلْ شَظَى رُوْحٍ انْفَلَقَتْ مِنْ
جَمْرٍ قدِيْمٍ
أشْعَلَتْ جَسَدَ الوُجُوْد فِتْنَةً
وَأَبَاحَتْ لِلإِنْسانِ أَنْ يَتَشَهَّى
نَزْوَةَ القَتْلِ
وَيَكْتُبَ تارِيْخَ المَوْتِ
بِلَذَّةٍ عارِيَهْ..

(2)
نهارٌ،
يُبَدِّدُ ضَوْءَهُ بِلا مُبَالاةٍ
مِنْ بَياضِهِ
خَرَجَتْ سُلالاتُ أَصْباغٍ
تَنْثُرُ خُدُورَ خَبِيْئَتِها
وَتُؤَجِّجُ فَرَحَ الرَّتابَةِ بِلا حَذَرٍ
النُّورُ،
شاحِبٌ شارَفَ الأفُولَ
يَفْرُكُ  بَرِيقَهُ فِي شمْسِ أَحْلامٍ
امتَزَجَ فِيْها الضَّوْءُ بالضَّوْضاءِ..
وَهَذا
الأُفُقُ المُكْتَظُّ حَدَّ الفَراغْ
اقْتَرَفَ الغُمُوضُ زُرْقَتَهُ
وَدَسَّ فِي صَحْوِهِ كَمائِنَ خِدَعٍ
تَنُوءُ بِنَزواتٍ مَلْعُونَهْ...
لا مَكَانَ
يَأْوِي هَذا الوَمْضَ الجَرِيحَ
المُلْقَى فِي خَبَبِ شُرْفَةٍ مُعْتمَةٍ
خالَجَها النِّسْيانْ
لا أَحَدَ يَكْنُسُ هَذَا الهَواءَ مِنْ
شَظَفِ مَساءاتٍ نَذَرَتْ
قَدَرَها لِلْعمْيانْ..
تَلَطَّخَتِ الأَلْوانُ
بَكَتْ حُمْرَةُ البَرْقِ حُرْقَتَها
وَالسَّماءُ حِدادٌ
لبِسَتْ رَمادَ زُرْقَتِها
صَرَخاتٌ مَشْرُوْخَهْ
تُنْصِتُ رَجَفات غَصَّتِها
وَقَوْسُ قُزَحٍ يَرْمقُ نُضْجَهُ
بِلا يَقِيْنْ..

(3)
رَحَلَ النَّهارُ
وَظَلَّتْ مَلامِحُهُ وَحْدَها مُلْقاةً
عَلَى هَذا الوَجْهِ الشَّارِدِ
فِي مَجازاتِ الخَيالْ..
لَمْ يَعُدِ اللَّيْلُ سِوَى وَمِيضِ
فَتْقٍ مُعَلَّقٍ فِي سَماءِ
شُرْفَةٍ مُغْلَقَهْ
يُضْفِي عَلَى أُفُقِ الحُلْمِ
صَرَخاتِ زُرْقَةٍ كاذِبَهْ..
حَتَّى الظُّلْمَةِ،
تِلْكَ الشَّهْوَةُ الجارِفَهْ
الَّتِي كانَتْ تُغازِلُ النُّجُومَ
النَّاعِسَةَ فِي تُخُومِ سِحْرِهَا
وَتَقُودُهَا إِلَى نشْوَةِ الفَرَحِ
انْتَحَلَتْ صِفَةَ الخائِنْ
وَطَوَتْ وَهْجَ الأُمْنِياتِ
فِي جُرْعَةِ مَساءَاتِها البارِدَهْ..
الصَّوْتُ،
المَدَى،
وَكُلُّ ما كانَ يَنُوءُ
بِنَزَواتِ الصَّدَى
هَوَتْ أَوْهاجُهُ،
خَبَتْ أَنْفاسُهُ،
لا شَيْءَ بَقِيَ كَمَا كانَ
لأَنَّ السَّماءَ ما عادَتْ تَحْتَمِلُ
نَزْرَ أَرْضِهَا،
وَلا أَحْلاماً تَصْبُو إِلَى شِعابِ
الأَوْهَامْ...

تعليق عبر الفيس بوك