الثعلب بات يحرك ذنبه

 

علي بن كفيتان

حرَّك القلمَ هذا الأسبوع مشهدٌ تليفزيونيٌّ ضمن برنامج "عُمان في أسبوع"، حوى مشهدًا يُظهر جنرالات عُمان بألوان بزاتهم العسكرية الزاهية، تحت خيمة في صحراء الربع الخالي، ليشهدوا بياناً عمليا لجاهزية جيش السلطان، زار الوزراء موقع الحدث، ونقلت وكالات الأنباء تقارير المناورة. نحن في داخل الوطن، لفَّنا شعور بالفخر والحماس، وثقة عالية في هؤلاء الرجال المرابطين على الثغور، بأنهم قادرون على قطع ذنب الثعلب الذي بات يتحرك.

الوطن هو أيقونة الحب والأمل معاً، ولا ذنب له بما نفعل نحن، فهو تراب نبتنا منه وتربينا فيه، ولم يبخل علينا بما يعلو سطحه أو يغوص في أعماقه؛ فالراعي البسيط في الأرياف والفيافي البعيدة، ورجل الأعمال الناجح في تجارته، والسياسي الكيِّس اللبق في انتقاء مواقفه، جميعهم يستثمرون الإرث الوطني ابتداءً من ثرواته وانتهاءً بتاريخه، ومواقفه التي ظلت ثابتة لم تتزعزع لقرون خلت.

إننا في سلطنة قابوس العظيمة لسنا من المتشائمين يا وطني، ولا نفضل الإفراط في التفاؤل كذلك الى درجة الدخول في أحلام اليقظة التي تتبخر في سماء الواقع مورثة صدمة تجعل الواحد يصاب بمرض المشي الليلي، وما له من أخطار السقوط من علٍ، أو الاصطدام بأجسام ثابتة ظلت راسخة لعقود من الزمن.

في المشهد الداخلي، ساد هَرَج ومَرَج مواقع التواصل الاجتماعي، الأسبوع الماضي، حول حالة تآكل رصيد الثقة داخل أروقة مجلس الشورى، سواء بين الأعضاء أنفسهم، أو بينهم وبين مكتب المجلس؛ فنظر البعض إلى أنَّ ذلك ظاهرة صحية ويبررون وجهة نظرهم بأن التوافق التام والدائم والهدوء القاتل إلى درجة النسيان ليس من سمة ممثلي الشعب، الذين يجب أن تعلو أصواتهم تارة، وتخفُت تارة أخرى، مما يعود بالفائدة على الوطن والمواطن، وهناك من قرأ الوضع سواء من داخل المجلس أو خارجه بشكل مختلف، فوصف المجلس بأنه ظل عاجزاً أمام المواجهات العصية مثل رفع الدعم عن المنتجات النفطية، وترقيات الموظفين، وقضية الجح الملوث بالمبيدات، ولا يرى هؤلاء أن خطوة البرواني كانت في محلها بسبب تأخر بيان وزير التنمية الاجتماعية، ويا له من تبرير أساء للمجلس أكثر مما نفعه، أولم يستحضر هؤلاء واقعة قيام أحد الوزراء في الحكومة البريطانية بتقديم استقالته لتأخره عن إلقاء بيانه أمام مجلس العموم لخمس دقائق فقط. في حين ظل المشاهدون العُمانيون إمَّا منجذبين بحماس لما فعله الرجل عبر خروجه من المجلس، متذمراً، حاملاً شنطته، ومتأبطاً خنجره، ومن ثم تقدمه باستقالته على الطريقة الترامبية، وآخرون ظلوا صامتين مصدومين لهذه الممارسة غير السوية التي يرَوْنها لا تليق بالشخصية العُمانية المتزنة التي لا يجب أن لا يعكر صفوها شأن مهما عَظُم.

وفي هذه الأثناء، تتوالى البشائر باكتشاف حقل غاز عملاق آخر بعد حقل خزان، ربما هذا الخبر يُقلِّل من حالة الإرباك في المشهد البرلماني المتأزِّم، عبر تمرير بعض المطالب مثل الترقيات التي فجرها المجلس نهاية العام الماضي، وتسابق أعضاؤه لتسريب وعود مفادها أن الوزير المسؤول عن الشؤن المالية أقرَّ بأن تُضمَّن الترقيات في موازنة 2018، لكنها غابت، فوقع هؤلاء في أشكال ولم يجدوا غير السيِّد "تويتر" لتمرير تغريداتهم ونقل المشكلة إلى الداخل. يتوقع البعض أن استمرار هذا المشهد أدى بالنتيجة لاستقالة البرواني، بينما كان تأخُّر بيان وزير التنمية الاجتماعية هو القطرة التي أفاضت الكأس. على كلٍّ، قدم الرجل -وحسب مصادر إلكترونية- استقالته بشكل رسمي لمكتب المجلس، وهذا يُلجم كل الأصوات التي ذكرت بأنَّ الأمر مجرد استعراض برلماني أو مداعبة لأصوات الناخبين في ولاية إبراء مجدداً، بينما الصامتون أو المغردون خارج السرب منهم يتأمَّلون بمنصب وزاري أو على أقل تقدير الذهاب للغرفة الثانية من مجلس عُمان.

باتتْ الكرة الآن في ملعب المجلس، الذي يتحتم عليه التصويت على الاستقالة. فهناك أصوات تقول لقد فعلها أخ له من قبل فأُخْرِج من الباب الخلفي بأغلبية الأصوات، وآخرون يرون بعدم قبول الاستقالة لمنح المجلس صورة أقرب إلى الواقع الديمقراطي، وهو يلفظ الأنفاس الأخيرة لفترته الثامنة.

 

alikafetan@gmail.com