إرهاص.. "كزهر اللوز أو أبعد"

...
...
...

يوسف شرقاوي – دمشق


هذا ما يقدّمه الفن - الرسم خصوصاً - بعد أن تفشل اللغة في تقديمه.
نادراً ما يقوى الفنان على خلق علاقة أكثر رحابةً وشفافية بين الإنسان والأشياء، لا تستطع اللغة خلقها، عودةً إلى قول ميشيل فوكو: عبثاً نقول ما نراه.
لكن أحداً ما ينكر العبث ويستطيع رسمه، لغة صامتة، جعلتها الفنانة الشابة آية سليمان لغةً صاخبة، فوضوية، بإسقاط رمزي. لوحات تثير التساؤل، كما الإنسان، تحتاج قراءةً عميقة وسبر أغوار!
بين تأويلات المُشاهد وتعقيبات المحلل، يمكن الوصول إلى الفوضى المنمقة التي استطاعت الفنانة خلقها وتمكنت من ابتكارها إيماناً منها بطلب هنري فوسيلي بأن يكون للرسم طابع ما ورائي متجاوز، وإيماناً منها بمايكل آنجلو وميثيولوجيته التي قدمها.
صنعنا انعكاسنا على لوحاتها وصنعت لوحاتها انعكاسها علينا، بين كهوف النفس، بين الصخب والصمت، الهدأة والضجيج والضوضاء، بين تقلبات النفس وارتياحها، مستخدمةً فن الماندالا ومركز الكون الميتافيزيقي، قد يتوصل محلل متذوق إلى الهدف من لوحة الإنسان الهندي بفن الماندالا، من ثم إلى الطاقة الخفية والصمت المطبق على فمه، وقد يتمكن باحث إلى كشف حقيقة القطة في اللوحة الأخرى، بوقفتها الثابتة وجسدها المرصع بالذهب، أما لوحة العين فتخبر المشاهد كيف رأت أزهار دوار الشمس بهذه الدقة، وتوصل الهدف من الفن، تدخل طيات النفس وتفتش بين صفحات الحضارات الشرقية البعيدة إلى الطبيعة.
لوحة أنثى بشعر، فراغ صامت يقبع في الوجه، كم تطلبت تصفيفة الشعر من وقت لتخبر المتلقي بكم المأساة التي يصنعها الفراغ؟
تأويلات وتساؤلات وأبحاث، تمكنت الفنانة الشابة آية سليمان من زرعها في الصلب، بانسياب رتيب لذيذ، من الصخب والفوضى والتاريخ إلى صمت الطبيعة ثم للماندالا في علم الطاقة والارتياح.
إرهاص فني شاب، سيخونه كل نعت يحاول تقديمه، لذا لا بد من الصمت كما تتطلب الألوان، أن ندخل الشمس في قاع زهرة الدوار.
"نرسيس ليس جميلاً لكن صنّاعه ورّطوه"
كإبريق آمالٍ تم تجسيده في صمت لم تقو اللغة على بلوغه.
هنا ينقلب ثالوث القيم رأساً على عقب، الجمال سيعتلي الرأس، كما يريد الشباب أن يكون بفنهم، على الأقل أو على الأكثر.

تعليق عبر الفيس بوك