في الاحتفال باليوم العالمي للشعر في (21 آذار / مارس):

قبَسَات من "عثرات الكمان"


رجاء البوعلي - السعوديّة


 
يُقدم الشاعر ناجي حرابة ديوانه "عثرات الكمان" كبعثرة للحظات إنسانية متباينة تشق طريقها على ظهر الذات وترسم ملامحها ضمن تشكلات صورية تعكس مدى الداخل على اللحظة الخارجية للإنسان، يمكن للإدراك الصوري ملاحظتها بسهولة.
يفتتح الشاعر ديوانه بنص قصير تقديمي لفردانية الذات الساكنة اجتزأه من قصيدته "قَبْسَة ٌ، فيرحل بك الشاعر إلى النزوح من اللإنسانية المتمثلة في عالم الشرور والجرائم و الفساد الذي يختنق به الهواء خارج محيط الذات، فلن تجد الإنسانية الأصيلة مكانها إلا بعودتها لمنشأها الأصلي "ذات الشاعر" في محاولة لطمأنة القارئ - من شفاه أصيلة - بهذه الوصية الحكيمة المتماوجة مع النفحات المقدسة "القرآن". فيقول:
همست على صغري
بأذني (جدتي)
ينثال فوق شفاهها القرآن:
كن أنت يا (ناجي)
فحين تكونه
سيذوق طعم حروفك الإنسان
ثم يقدم لك قصيدة كالضوء الذي يأتيك في نهاية النفق المظلم الطويل كمخرج يحل لك معضلات كثيرة بعنوان "أغنية"، فيحاول في هذا المقطع الخروج المؤقت من قنينة الألم للنغم الموسيقي الذي يمد الروح بمزيد من النشوة وربما التحليق الشاعري خارج جدران المحسوسات المتسلطة بوجودها على الإنسان في محاولة لارتشاف غفوة استراحة يحتاجها الإنسان بين الفينة والأخرى قائلاً:
إذا ذبلت في عيونك أمنية
ثم لذت إلى القلب
مستسقياً فانكسرت من الحزن
إذ جفت الساقية
فارتشف أغنية
//
إذا وجلت
من ظلام الكوابيس نجواك
واستوطن الخوف رأسك
في ليلة شاتية
فاقتدح أغنية

أما قصيدته "قَبْسَة ٌ" فهي أشبه برحلة بحرية في أعماق الذات الإنسانية و تلازمها مع مكونات الطبيعة في صورة مدمجة آسرة، يبدؤها بمكاشفة ذاتية زرقاء بهية، أختارُ منها بعض المقاطع:
البحرُ
روحكَ أيها الإنسانُ
يغفو
بقاعِ ضلوعكَ المرجانُ
يُشبه الإنسان بالبحر مستعرضا أبعاده الممتدة على كتفي الأرض والضاربة في عمق الطبيعة البحرية متقابلاً مع عمق الطبيعة الإنسانية على حد سواء.
غرقت به سفن العقول
سوى التي
من عبقريتها انتشى ربان
وهنا يقدم الشاعر ذاته بثقة متعالية تصل لحد النرجسية التي تمايز صراحة بغرق الذوات في قاعها إلا قلة من ربان البحر المتلاطم استطاعوا النجاة والانتشاء بروح النصر.
من ينسجون
من القلوب بنبضهم وهجا
ليشعل ليلنا الخفقان
عودة لحاجة الإنسان الملحة لعناية النبض الشفيف الذي ينثال من قلوب مُحبة صادقة تتوهج في الليالي الحارقة لتدفع النبض للخفقان والجريان والحياة مرة أخرى.
يا شاحذين
من الحجى أفكارهم سيفا
ليطعن في الحشا الخذلان
ومسلسلين
من الضمائر ودهم
حتى تسيل على الورى غُدران
في تصوير بليغ منساب يقدم الشاعر رؤيته في توصيف المحبين على هيئة من المدافعين عن ذات المحبوب بسيوف أفكارهم عبر طعنة لروح الخذلان، ثم يعودون بنشوة الود تنساب كانسياب الغدران (جمع غدير).
فهم الحياة
فلم يضق بدروسها قلب
يبوح لصدره الريحان
يلهو بتهذيب الصدى بــ (كمانه)
لما تضج
بعمقه الأشجان
يوشك الشاعر على ختم قصيدته بتعزيز وجود الذات عبر فهمها لتفاصيل الحياة  وملماتها، تلهو كطفل يمارس الحياة الخفيفة أثناء تهذيبه لضجة الأشجان الصاخبة كي يبقى صداها يرتد في العمق دون فيضان. يستعمل الشاعر الأداة الموسيقية (الكمان) كرمزية لوسيلة التهدئة للتفاعلات بجوف الذات الإنسانية.
"وجع وليد" يعبر عنه الشاعر بقصيدة متوسطة يصف فيها بعض التشكلات الصورية للوجع عندما يتكسر اللحن الجميل على شفاه الذات (القصيد):
وتكسرت لغة الجمال
على شفاهك يا قصيد
قم كفن الصور الجريحة
وابتكر لحدا جديدا لاعتذارك
ليس تشبهه اللحود
أبدع الشاعر الألق ناجي حرابة في إنجاز "عثرات الكمان" فقد يكون عنوانه (كما تلمست) رمزاً لعثرات الذات الإنسانية التي تتأرجح لحظاتها بين الانتشاء والانكفاء و الألفة بالمحبين و النزوح إلى قاع الذات مرة أخرى.. في استعراض ملون للحظات الفرد في هذه الحياة.

 

تعليق عبر الفيس بوك