نعم.. نحتاج مراجعة هذا الأمر!

عبدالله العليان

في بداية نهضتنا الحديثة كان للدولة النشاط الأكبر في التنمية في كل القطاعات، وكانت الأوضاع صعبة نعرفها جميعا، وتكللت الجهود بحمد الله في تقوية اللحمة الوطنية، واتجه الأمر إلى تعويض ما فات من التراجعات في التنمية الوطنية قبل النهضة، كان القطاع الخاص في بلادنا ناشئاً ومحدوداً في قدراته في سبعينيات القرن الماضي.

وهذا بلا شك حالة طبيعية، مرت بها الكثير من الدول عند تأسيسها في مراحل نموّها، لكن من الضروري أن يبقى مؤقتاً، لكن مع الوقت، كان لابد أن يلعب القطاع الأهلي دوره المنوط به؛ باعتباره شريكاً لجهود الحكومة في هذه التنمية الاقتصادية والسياحية...وغيرها من المشاريع، بدلاً من الاستعانة بالخبرات والشركات الأجنبية، التي كانت الأكثر قدرة على تنفيذ مشاريع كبيرة في بداية النهضة، بحكم القدرة المالية والفنية...إلخ. وعندما اشتد عود القطاع الأهلي الوطني، وأصبح يملك القدرات الإدارية والفنية، تم إسناد الكثير من المشاريع له، إما مشاركةً مع الحكومة، وإما يقوم بإعمال من خلال المناقصات العامة التي تتم من خلال محددات الأسعار لهذه الأعمال.

وكانت الأعمال التي تسند لهذا القطاع متدرجة وفق ما يتم تقديره وفق قدرة هذه المؤسسات والشركات من خبرات وإمكانيات فنية وإدارية ومالية، وهذه سمة من سمات الرؤية العمانية في قضية التدرج، في قضايا كثيرة، وهي بلا شك جديرة بالتقدير؛ لأن التدرج في المعايير والوسائل له أثره الإيجابي في النجاح، ولأن حرق المراحل، والقفز على الواقع، له محاذير كثيرة، لكن الإطالة به عن الوقت الملائم ليست جيدة؛ فالتوازن بين الخيارات هي الأكثر إيجابية من المواقف الاختزالية التي لا تتعاطى مع التحولات التي تجري بنظرة واعية ومخططة تخطيطاً ملائماً.

الحقيقة أن عالم اليوم هو عالم اغتنام الفرص، وإيجاد المناخ الذي لا يجعل الأمور ملتبسة ومضطربة عند وضع خطط معدة إعداداً جيداً للنجاح، وهذا هو الأهم في أن تطرح سياسات تحقق ما نراه إيجابيا، خصوصاً عندما يتاح للشركات والمؤسسات التي أسستها الدولة أن تأخذ الصفة التجارية، أو أن تخصص بالكامل، وفعلاً تحقق هذا من خلال العديد من الشركات والمؤسسات العامة، وأعطتها صفة الجانب التجاري بنسب تم تحديدها، وبعض المؤسسات الحكومية بقيت بالصفة الحكومية، لكنها تعمل على أسس تجارية، وهذا بلا شك كان خطوة لتقليل الاعتماد على الموازنة العامة للدولة، وأيضاً التخفيف من الإجراءات الطويلة في المؤسسات العامة، التي تتطلب الكثير من الوقت، وبعض هذه المؤسسات حاجتها أسرع لتنفيذ بعض الخطط والمشاريع؛ لأنها تشتغل على أسس تجارية، وهذا التوجه حقق نجاحاً مهما لهذه المؤسسات والشركات العامة، واستفادت الدولة من هذه الخطوات التي وضعتها، سواء من حيث تخصيص نسب محددة للقطاع الخاص فيها، أو من جعلها تعمل على أسس تجارية.

لكن هذا التوجه المهم لم يستمر طويلاً؛ فحصل أن بعض هذه المؤسسات تم إعادة الصفة الحكومية لها كاملة، أو أن غالبيتها بيد الحكومة، وهذا ما حصل مع الشركة العمانية للطيران، التي أسستها الحكومة بعد انتهاء شراكتها مع طيران الخليج، لكن تم تخصيص نسبة أكبر من حصة الحكومة في الشركة العمانية للطيران للقطاع الأهلي، وكان هذا جيدا لاشك، وحققت الشركة، كما قرأنا من خلال تصريحات بعض المسؤولين، أنه وفي العام 2005 تم تسجيل 3 ملايين عماني أرباحًا للشركة، لكن في العام 2007 جاء الأمر معاكساً للتوجه العام، فتم اعتماد -كما نشر آنذاك- 50 مليون ريال عماني للشركة العمانية للطيران؛ لتأخذ الحكومة نسبة أكبر من الأسهم في الشركة، ووصلت نسبتها إلى أكثر من 99% من الأسهم كما هو حالياً، وهي بهذا التوجه المالك الأساسي للشركة، لكن ما ظهر مؤخرا أن الشركة بدأت بالخسائر الكبيرة، وصلت بمئات الملايين!

وهذا الأمر مدعاة للمراجعة الجدية لهذا التوجه، وإعادة النظر في قضية امتلاك الحكومة النسبة الأكبر كمالك للشركة، كما كان الأمر في المراحل الأولى للتخصيص بنسب أكبر والحكومة أقل، وفي التوجه يكمن نجاح الشركة؛ لأن الربحية هدف أساسي للعمل على أسس تجارية، ومن خلال إعطاء هذا القطاع الدور الأكبر، ومن خلال إشراف الجهات المعنية.

أيضا شركة عُمران، تم تأسيسها عام 2007، كشركة حكومية 100%، تهتم بالمشاريع السياحية، أو الاقتصادية في المجال السياحي، وكنا نأمل أن تكون هذه الشركة مشاركة مع القطاع الخاص بنسبة 50%، أو أن تكون للدولة نسب محددة في بداية التأسيس، وهذا ما يجعل القطاع الخاص فاعلاً، ويتم تخفيف الأعباء على الدولة، فلو أن هذه المشاريع التي تقوم بهذا شركة عمران، وجدت عقبات أو خسائر، فسيكون ذلك بمثابة تحميل الدولة أعباء ذلك؛ كونها شركة حكومية كاملة، وهي الآن ربما تواجه مصاعب، وهذا ما برز عندما انخفضت حصة شركة عمران في مشروع تطوير ميناء السلطان قابوس السياحي إلى 30%، بينما تم إسناد المشروع لشركة خليجية بنسبة 70%، وهذا ربما يعكس عدم قدرة شركة عمران على القيام بهذا المشروع في حصته الأكبر، وربما بسبب عدم القدرة المالية أو لسبب آخر؛ فالمهم أن تقليل حصة الحكومة في شركة عمران نراها خطوة لتعزيز هذه الشركة، وأعطى القطاع الخاص العماني المجال الأرحب للانطلاق في مشاريع عملاقة، دون أن تتحمل الدولة أية أعباء مالية.

وهي رسالة لمن يهمه الأمر.